وسائل السوشل ميديا تعبث بصحتنا النفسية..

يتبع الناس في الغالب الآن ما يرونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من اتخاذ قراراتهم الخاصة في المواقف المختلفة، سواء كانوا يدركون ذلك أو لا. وعلى هذا النحو، يجدر القول إن شبكات التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد أدوات للمناقشة والتحليل وإنما أصبحت أداة لتشكيل الواقع أيضًا.
ومن الأسئلة المهمة التي يجب طرحها: هل يؤدي ما تنتجه شبكات التواصل الاجتماعي إلى تحسين الأمور أم أنه يؤثر على الصحة النفسية للمستخدمين؟
قد يعاني الكثيرون من الأعراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والإحباط دون أن يكونوا مصابين بمشاكل نفسية شخصية. ويمكن أن يكون سبب ذلك هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط، حيث يمكن للتعرض المستمر للمحتوى السلبي والمشاركة الزائدة في الشبكات الاجتماعية أن يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية.
وبالفعل، أثبتت العديد من الدراسات العلمية أن هناك علاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط والاضطرابات النفسية، مثل القلق والاكتئاب والإدمان والعزلة الاجتماعية.
ويجب أن يكون لدينا وعي حول هذه التأثيرات السلبية والعمل على تقليل استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي والتواصل الشخصي المباشر بشكل أكبر للحفاظ على صحتنا النفسية.
- مُكتئب.. مُحبط ؟ ..قد لا تكون مريضاً نفسياً
الحقيقة أن هذه الرؤية ليست مجرد كلام تقليدي مقالي بل لقد قام علماء النفس بإجراء العديد من الدراسات لفحص الرابط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية، ووجدوا روابط عديدة تجمع بين بعض المشاكل النفسية وشبكات التواصل.
- أنت فاشل بينما كل من حولك قد نجح
تشير نظرية المقارنة الاجتماعية لعالم علم النفس الاجتماعي والتي تم نشرها للمرة الأولى عام 1954، إلى أن الأفراد يميلون إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين لقياس قدراتهم ونجاحاتهم. وكيف لا يشعرون بالنجاح إلا عندما تأتي نتائج المقارنة في صالحهم.
هكذا كل يوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للأشخاص مقارنة أنفسهم بصورة سريعة وسهلة مع الآخرين، يمكن أن تؤدي هذه المقارنات المستمرة إلى تقييم سلبي للذات، حيث يشعر الأفراد بأنهم ليسوا بمستوى الآخرين.
هذه الفتاة تحب مظهرها الرقيق، وملابسها التي اخترتها بذوقها، بينما ذلك الشاب اعتاد أن يحب المصيف في منطقة نائية هادئة، ولا يميل للرياضات الثقيلة، أما هذه الأم الشابة، فهي تَعلم أن طفلها غير حركي، هو يفضل حل البازل والتعامل مع المعضلات العقلية.
في السابق ستجد أن كلاً من هؤلاء يشعر أن حياته جيدة وأنه يُحقق نجاحاً كافياً في منطقته التي يتميز بها، فالفتاة ذات صيحة مميزة في اختيار الملابس، والشاب يشعر بالتميز لتمكنه من السفر واختيار ما يريد، والأم تشعر أنها أم جيدة لتنمية مهارات طفلها التي يفضلها ويبرع بها.
لكن اليوم مع التقدم التكنولوجي لن تجد هؤلاء سعداء، فليس هذا هو النموذج الأمثل الذي تقدمه السوشيال ميديا على كونه النموذج الصحيح والمميز.
الفتاة ستقارن ذاتها بما تراه من صور الأخريات عبر الإنستغرام، ستجد ذاتها مختلفة عنهن، للأسف لن تنظر لهذا الاختلاف كنقطة تميز وأنها ليست مجرد شكل آخر في خط إنتاج ينتج نفس الشكل والمحتوى، بل سترى أنها أقل جمالاً وأناقة، وبالتالي أقل جاذبية ولن تحظى بالإعجاب، لتشعر بالفشل والرغبة في تغيير ذاتها فقط كي تصبح كالآخرين وتحظى بالرضا المجتمعي الذي يمنحها رضا عن الذات.
أما الشاب فلم يعد المصيف الهادئ يعنيه، بل يتطلع لأن يكون من رواد "الساحل الشرير" أو "الطيب" على الأقل، فهو لن يشعر أنه مميز وأنه "ابن ناس" إلا بعد قيامه بنشر صوره هناك مع "فورمة" جسد لا يميل لها، ولكنه سيفعلها ليحظى بالقبول المجتمعي فيستطيع وقتها قبول ذاته وحبها.
أما الأم فهي في مُعضلة حقيقية مع شعور حاد بالتقصير، وهي تقول لذاتها: "يالهول كل هؤلاء الأمهات الجيدات يتنقلن من تمرين لآخر من أجل أطفالهن، كل طفل من هؤلاء لديه أم جيدة جعلته يشارك في رياضتين أو ثلاث على الأقل، تقضي الأمهات اليوم بأكمله في النادي ليلحقن تمريناً تلو الآخر،
مع لقيمات سريعة من وجبات سريعة كذلك أعدت على عجل لتقدم للأسرة أمام حمام السباحة أو ساحة "الباسكت بول"، ليعودوا في نهاية اليوم منهكين يقومون بأداء الواجبات المدرسية على عجل ليناموا ويبدأوا يوماً جديداً لا يختلف عن سابقه.
ما سبق هذا نموذج الأم المتفانية الذي تقدمه على وسائل التواصل الاجتماعي للأمهات الشابات، وهكذا ستضرب هذه الأم رغبات طفلها بعرض الحائط، لتصر على أن يتمرن، وأن يصبح رياضياً وأن يكون كالآخرين، كي لا تشعر أنها أم فاشلة وأن طفلها أقل وأفشل من أقرانه.
في دراسة مشتركة جرت بين جامعتي "كاليفورنيا وتوليدو" لفحص تأثير التعرض المزمن والمؤقت لمعلومات وسائل التواصل الاجتماعي ومقارنة الأشخاص محل الدراسة لأنفسهم بالآخرين وتأثير ذلك على تقدير الذات.
فباستخدام منهج الارتباط، فحصت الدراسة ما إذا كان الاستخدام المتكرر للفيسبوك مرتبطًا بانخفاض احترام الذات في الواقع، وقد أظهرت النتائج أن المشاركين الذين استخدموا فيسبوك في أغلب الأحيان كانوا يعانون من ضعف احترام الذات، وزيادة التعرض للمقارنات الاجتماعية التصاعدية على وسائل التواصل الاجتماعي.
- لا تحتاج إلى المخډرات، فلديك مخدر جاهز بين يديك
إدمان وسائل التواصل الاجتماعي ليس مجرد تعبير شائع، فقد أثبتت الدراسات أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة يؤدي بشكل حقيقي إلى إدمانها، ويؤثر هذا الإدمان على الصحة النفسية، بل تشير بعض الدراسات إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون مثل إدمان المخډرات، حيث يشعر الأفراد بالحاجة إلى استخدامها بشكل مستمر ومتصاعد.
مادة الـ"دوبامين" في المخ، هي المادة التي تفرز عند الشعور الفائق بالسعادة، عندما تأكل طعاماً تحبه، عندما تمارس الچنس مع من تحب، تُفرز مادة الدوبامين من المخ، وتحفز بعض أنواع الأدوية والمخډرات المخ لإفراز الدوبامين ليعطي شعور سعادة زائفاً للشخص.
وجدت الدراسات أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى إفراز مادة الـ "دوبامين"، فكل "لايك" أو "شير" أو "ريتويت" تحظى بها تؤدي لشعور من السعادة وتحفز المخ على إفراز الـ "دوبامين"، وكلما زاد التفاعل زادت جرعة السعادة الصناعية، والتي تتزايد يوماً بعد يوم، فاليوم أنت سعيد لتحقيقك 100 إعجاب، بعد شهر لم يعد ذلك الرقم يسعدك، -مثل المخډرات- أنت تحتاج لرقم أكبر ليحفز مخك على إفراز الدوبامين بالكمية ذاتها، تحتاج 1K اليوم، ثم 10K في الشهر القادم وهكذا.
في سبيل تحقيق تلك السعادة فأنت كالمدمن مستعد أن تتنازل عن الكثير من الأشياء على وسائل التواصل الاجتماعي لتحقق الانتشار وترضي إدمانك، ستتنازل عن عادتك الاجتماعية الطبيعية اللطيفة، عن علاقتك بأسرتك، عن هوايتك، بل ربما عن خصوصيتك وجزء من أخلاقك التي قد تصبح أكثر مرونة في سبيل زيادة عدد المتابعين.
- وسائل التواصل الاجتماعي.. احذر أنت تتطلع لحياة غير واقعية
يحذر علماء النفس الفتيات من الانبهار بـ "موديلز" الإعلانات وعارضات الأزياء، مؤكدين أن هذا الشكل غير واقعي، بل هو عمل وتجارة، وهؤلاء الفتيات عندما يختلين بأنفسهن يعدن فتيات طبيعيات بلا رتوش الإبهار.
هكذا هي وسائل التواصل الاجتماعي فما تراه عبرها حياة غير واقعية، عندما يتفاعل الأشخاص مع وسائل التواصل الاجتماعي، يشاهدون غالباً الصور والمنشورات التي تصور حياة مثالية وغير واقعية، كذلك تزيد تطلعاتهم المادية بأكثر من مستواهم المادي بكثير، مما يؤدي إلى عدم الرضا بالحياة الحقيقية.
هكذا فإن الطموح الدائم لوجود حياة غير واقعية يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر والاكتئاب، لأنك لن تصل مطلقاً لهذه الصورة الخيالية، فلذلك أنت تحرث في البحر ببساطة، هذا الإخفاق بكل تأكيد يؤثر سلباً على صحتك النفسية.
- وسائل التواصل الاجتماعي والاحتياج إلى إعجاب الآخرين
إن كان "اللايك" و"الشير" يحفز هرمونات السعادة ويؤدي إلى إدمانها، فإن افتقادهما سيؤدي بالتأكيد إلى العكس، فعندما تنشر صوراً أو منشورات، ولا تحظى بالإعجاب أو لا تحصل على الردود التي توقعتها ستشعر بالقلق والتوتر الذي قد يصل للاكتئاب؛ مما سيؤثر بالتأكيد سلباً على صحتك النفسية.
وهكذا فإن وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤدي إلى تأثير سلبي حقيقي وملموس على الصحة النفسية، ويمكن أن تؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر والاكتئاب، وزيادة الضغط النفسي والاجتماعي على الأفراد.
يمكن أن يجعل الاستخدام المفرط لـ"وسائل التواصل الاجتماعي" المستخدم يركز على الصورة الافتراضية للحياة، مما يؤدي إلى الشعور بالفشل والإحباط عند عدم تحقيق نفس المستوى من الإنجازات أو التجارب الحياتية كما يتم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي.
قد يؤدي هذا الأمر إلى الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي فيفقد الشخص جودة حياته الحقيقية وهو يلهث خلف الوهم.
ختاماً.. علينا جميعاً التنبه إلى ضرورة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بحذر وتحديد وقت استخدامها وعدم التركيز فقط على الصورة الافتراضية للحياة والإنجازات،
كما يجب أن نشجع أنفسنا على التفاعل مع العالم الخارجي والتركيز على الأنشطة الواقعية، وكذلك بناء علاقات اجتماعية حقيقية، التي تمنح الشخص السعادة والرضا الحقيقيين وباتزان.