قوات فاغنر الروسية.. سلاح روسيا الفتاك بعيد عن عين القانون!

إنها "فاغنر".. تلك الشبكة العنكبوتية التي يقال إنها تحولت، خلال سنوات قليلة، إلى كابوس يقض مضاجع الغرب أكثر من الړعب من ترسانة روسيا النووية، فكيف تلاشى الخيط الرفيع بين الحقيقة والخيال لهذه الدرجة وخلال هذا الوقت القصير؟
متى بدأت قصة فاغنر بالتحديد؟ وكيف بدأت؟
وماذا حققت حتى اليوم؟
حقيقة الأمر هي أنه لا توجد رواية واحدة تحظى بالإجماع وتجيب عن هذه التساؤلات، فهناك روايات متعددة يقترب بعضها من تلك الهالة المحيطة بالأساطير
وكأن الأمر يتعلق بكائن أسطوري حطَّ في موسكو، حصل على التعليمات، وانطلق لتنفيذها في أركان المعمورة.
مقالنا اليوم سيكون رحلة داخل عالم فاغنر؛ حيث تختلط الحقائق بالتضليل، ويختفي الخط الفاصل بين الحقيقة والفبركة. فقد نشرت العديد من الصحف الأمريكية تحقيقًا مطوّلًا حول بريغوجين وفاغنر وروسيا وبوتين،
يعتمد بطبيعة الحال على كيف ترى العواصم الغربية تلك الشبكة، التي يصفونها بأنهم "مرتزقة" مرتبطون بموسكو، حققوا نموًا مذهلًا خلال سنوات قليلة.
تصنيف الغرب لـ “فاغنر”
يقول مسؤولون أمريكيون وأوروبيون إنه بوجود عشرات الآلاف من المقاټلين، وكثير منهم الآن تدربوا في ساحة المعركة، فإن ظهور مجموعة فاغنر كټهديد عسكري مارق يمكن أن يصبح تحديًا عالميًا خطيرًا في السنوات المقبلة.
بداية نشوء أنشطة فاغنر المكثفة كانت في إفريقيا؛ حيث يؤدي مقاتلوها المدربون وظائف أمنية رئيسية للأنظمة في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ودول أخرى، في سلسلة من المراسلات والوثائق الحكومية الأمريكية من الشبكة الداخلية لزعيم الجم١عة، يفغيني بريغوجين، حصلت عليها صحيفة Politico الأمريكية وتحققت منها من خبراء خارجيين.
وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، قد قال للصحفيين، إنه بالإضافة إلى قرار وزارة الخزانة بتصنيف مجموعة فاغنر على أنها "منظمة إجرامية عابرة للحدود"، فإن إدارة الرئيس جو بايدن "ستفرض عقوبات اقتصادية على المنظمة والداعمين لها".
مجموعة فاغنر والحړب في أوكرانيا
في هذه الأثناء، منذ أن بدأت روسيا في استهداف أوكرانيا، جندت مجموعة فاغنر آلاف الجنود الجدد للانضمام إلى صفوفها في ساحة المعركة، مما سمح للمجموعة بتحقيق انتصارات عسكرية في منطقة دونباس، بما في ذلك مدينة سوليدار.
اعترف بريغوجين، الذي كان قد نفى في السابق أي ارتباط بالمجموعة، بصِلاته بها علنًا في العام الماضي. غالبًا ما يظهر في مقاطع فيديو دعائية ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من الخطوط الأمامية في أوكرانيا؛ حيث يروج لقواته كأبطال وقادة للحرب، بينما يسخر في الوقت نفسه من العقوبات الغربية.
العديد من التقارير الغربية تقول إن بداية تأسيس فاغنر ترجع إلى عام 2014 عندما ضمت موسكو شبه جزير القرم وساندت حركات انفصالية في إقليم دونباس.
"رجال خضر" لا يحملون هويات تربطهم بروسيا روابط رسمية، ولم يكن أحد يتخيل أن يتحولوا خلال سنوات قليلة إلى رأس الحړبة في استراتيجية توسيع النفوذ الروسي حول العالم بتلك الطريقة.
شبكة تنمو بسرعة خيالية!
وُلِدَ بريغوجين البالغ من العمر 61 عامًا في لينينغراد، وأمضى تسع سنوات في السجون السوفييتية پتهمة السړقة والاحتيال وجرائم أخرى قبل أن يكسب ثروة في روسيا المستقلة حديثًا، حيث عمل متعهدًا لتقديم الطعام، بما في ذلك لبوتين نفسه.
نفى بريغوجين علنًا في البداية لعب أي دور في إنشاء مجموعة فاغنر عندما كشفتها منظمات الاستخبارات الدولية، خاصة خلال جهود روسيا لدعم الأنظمة التي لها سجلات مروِّعة في مجال حقوق الإنسان. لكن بريغوجين أقر العام الماضي بتشكيل المجموعة في عام 2014 لحماية المصالح الروسية في منطقة دونباس بأوكرانيا.
وفي أوكرانيا، جلبت مجموعة فاغنر عشرات الآلاف من السجناء من روسيا للقتال على الخطوط الأمامية لمساعدة موسكو على تعزيز هجومها في الجزء الشرقي من البلاد، وخاصة في مدينة باخموت. وقال أحد مستشاري وزارة الدفاع الأوكرانية، في مقابلة في يناير/كانون الثاني: "هم فقط يواصلون التقدم.. يبدو الأمر وكأنهم ليس لديهم ما يخسرونه".
كانت القوات الروسية قد واصلت شن هجمات بلا هوادة على باخموت، منذ مطلع مارس/آذار 2023، في محاولة لتطويق المدينة الصغيرة الواقعة في شرق أوكرانيا وإعلان أول انتصار كبير لها منذ أكثر من ستة أشهر بعد عدد من المعارك الأكثر دموية في الحړب.
التمويل والأهداف
لا تزال التفاصيل حول كيفية تمويل المجموعة -ومن هو صاحب القرار داخل المنظمة- شحيحة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن المجموعة معروفة باستخدامها الشركات الوهمية للقيام بأعمال تجارية في تحد للعقوبات الغربية. على سبيل المثال، تعتمد على شركة مسجلة في مدغشقر تُعرف باسم Midas Resources للقيام بأعمال التعدين في جمهورية إفريقيا الوسطى، وفقًا لإحدى المراسلات الأمريكية.
افترض الخبراء لسنوات أن المجموعة تتلقى تمويلًا كبيرًا من الدولة الروسية، مكملة لتلك الأموال بأرباح من عقود الأمن والتعدين من الحكومات التي لا تلتزم بالعقوبات.
يقع المقر الرئيسي لفاغنر في مولكينو، روسيا، في شكل قاعدة تشترك فيها المجموعة مع اللواء العاشر للأغراض الخاصة المنفصلة التابعة لوكالة الاستخبارات العسكرية الروسية.
ورغم الروابط العامة الواضحة بين فاغنر والدولة الروسية، لم يعترف الكرملين بعلاقاته مع فاغنر، وهناك القليل من التقارير الموثوقة حول ما إذا كانت الأموال من موسكو تتدفق إلى خزائن المجموعة وكيف.
فاغنر في إفريقيا
في السنوات الخمس الماضية، وسَّعت فاغنر عملياتها لتشمل البلدان المضطربة سياسيًا في إفريقيا، ووقعت عقودًا مع الحكومات للمساعدة في قمع المقاومة وتوفير الأمن للمسؤولين رفيعي المستوى. من ليبيا إلى السودان إلى مدغشقر إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، تسعى المجموعة إلى إحراز تقدم من خلال بناء مراكز ثقافية -مجمعات لاستضافة الاجتماعات والفعاليات- وإنشاء قواعد عسكرية.
قام المسؤولون والخبراء الغربيون على حد سواء بتتبع محاولات فاغنر لتكثيف عملها في إفريقيا. وتسلط الوثائق التي استعرضتها الصحافة الامريكية الضوء أيضًا على هذا التوسع. بالإضافة إلى العمل الأمني الذي تنجزه فاغنر للحكومات
والذي يتضمن حماية المواقع الحساسة لاستخراج الموارد الطبيعية، يبدو أن شبكة بريغوجين تشارك أيضًا في حملات التضليل، من خلال دفع أموال للناس لحضور الاحتجاجات وكتابة قصص معتمدة مسبقًا في الصحافة المحلية.
تصف إحدى المذكرات بالتفصيل كيف خططت شبكة بريغوجين لإنشاء حسابات وسائط اجتماعية مزيفة، بما في ذلك على تويتر وفيسبوك للناشطين في السودان، بما في ذلك للصحفيين.
تضيف جهود الدعاية الخاصة ببريغوجين المزيد من المخاۏف لدى الغرب بشأن وجود فاغنر في القارة السمراء. وينخرط المسؤولون الأمريكيون بنشاط في محادثات مع الحلفاء في إفريقيا حول الحد من نفوذ الجم١عة، وفقًا للمراسلات والمقابلات مع المسؤولين الغربيين.
ويتمثل قلقهم في أن روابط فاغنر المتزايدة مع دول في إفريقيا تمنح روسيا فرصة غير مسبوقة لتشكيل شراكات جديدة في وقت تنسحب فيه القوات الأوروبية. قد يترك الفراغ فرصة لموسكو لتشكيل العلاقات الدبلوماسية في القارة ودفع المشاعر المعادية للغرب.