الجمعة 14 مارس 2025
تم تسجيل طلبك بنجاح

الفيلسوف الذي جمع بين الفقه والطب.. إبن رشد العربي!

الفيلسوف الذي جمع
الفيلسوف الذي جمع بين الفقه والطب.. إبن رشد العربي!

يُعَدُّ فيلسوفًا أوروبيًا بارزًا، حيث ساهم بشكل كبير في نقل أوروبا من العصور الوسطى إلى فجر النهضة. ويطلق الأوروبيون عليه لقب "المعلق"

نظرًا لإسهاماته الكبيرة في نقل وشرح الفلسفة اليونانية وإيصالها إلى العالم الغربي.

ولولا اهتمامه بدراسة كتب "أرسطو" وشرحها بتبيان موقفه المعجب بها، فقد لم نكن نعرف الكثير عن فلسفة الإغريق. ويتقرب الأوروبيون بشكل كبير لفلسفة الإغريق التي يدرسونها في جامعاتهم بفضل ابن رشد.

تمثل هذه الفلسفة النواة الرئيسية لفكره التجديدي الذي يستند إلى مبادئ المدرسة السكولاستية. يحاول أتباع هذا المذهب تقديم برهانٍ نظريٍّ للنظرة العامة الدينية للعالم، باعتمادهم على الأفكار الفلسفية لأرسطو وأفلاطون. 

ونتج عن دراساته لهذه الفلسفة مذهب ابن رشد الخاص، والمعروف باسم "الرشدية"، حيث يُعَدُّ ابن رشد ناقلًا وناسخًا ومجددًا ساعٍ للألفة بين الفكر الديني والفلسفي. 

وقد شرح الباحث الفرنسي "آرنست رينان" هذا المذهب بطريقةٍ موسعةٍ في كتابه "ابن رشد والرشدية".

مدرسة ابن رشد الفلسفية

ترتكز فلسفة ابن رشد على التجديد الفكري في الدين، وإعادة النظر في المسلمات، والثوابت الشرعية، وشرحها بعين العقل بدل جعلها على الرف بعيدة على النقاش؛ لأن الإيمان بالاقتناع خير من الالتزام بالجهل

ذلك لرأيه بأن الشريعة والحكمة العقلية لا يمكن أن يتعارضا ما دام مصدرهما واحد هو الوحي الإلهي؛ حيث لا يمكن أن يخلق الله لنا عقولًا ويمنحنا شرائع مخالفة لها.


رغم أن ابن رشد كان في صف المتكلمين، إلا أنه كان يحمل أفكاره الخاصة التي رغم توافقها العام مع ابن سينا والفارابي، إلا أنها لا تعني التطابق التام، ومن أشهر مخرجات هذا النقاش الكتاب المعروف للغزالي "تهافت الفلاسفة" 

الذي هاجم فيه بشدة وحدة المتكلمين المعجبين والمتبنين للفلسفة اليونانية، لدرجة أنه في النهاية  أصدر فتوى بتحريم الاطلاع على كتب الأقدمين لما فيه -حسبه- من خطړ على العقيدة.

قد ورد في كتاب "تهافت الفلاسفة" عشرون قضية، ثلاث منها اعتبرها تكفيرية، وهي: "قدم العالم، وعلم الله بالكليات والجزئيات، والحشر".

سعى ابن رشد في كتابه "تهافت التهافت" إلى التأكيد على أن لدى الفلسفة والدين نفس الغاية، وهي الوصول إلى الحقيقة، وأن الاختلاف بينهما ليس في الجوهر؛ بل في الطريقة فقط، وأراد أن يبين أن الھجوم على الفلاسفة المتأثرين بالفلسفة اليونانية باطل؛ لأن:

أولًا: أفكار هؤلاء لا تعكس بالضرورة أفكار أرسطو، وذلك لعلمه الكبير في شرح الفلسفة الأرسطية، فدعا إلى الرجوع إلى أصل الفكر الأرسطي النقي بدل الحكم عليه من خلال آراء ابن سينا.

ثانيًا: أن الفلسفة اليونانية بذاتها فيها من الصواب ما يجب أخذه، وأنها ليست الطريق نحو الزندقة، كما يزعم التكفيريون، إلا إذا لم يحسن المطلع توظيفها وذاك مشكل يعني المُطَلِعَ ولا يعني المُطَلَعَ عليه

واستدل على ذلك بمثال طبي قائل إن الماء برغم أنه ضروري إلا أن الإكثار منه يمكن أن يؤدي إلى الۏفاة بالټسمم المائي، وهكذا الحال مع الفلسفة، ثم تصدى أيضًا بإطناب للغزالي وبيّن مواقفه تجاه القضايا التكفيرية الثلاث؛ قِدمُ العالم، والعلم الإلهي بالجزئيات، والحشر.


ابن رشد ونقل الفلسفة الأرسطية

كان ابن رشد الجسر الوحيد الذي نقل الفلسفة الأرسطية إلى العصور الوسطى بفارق زمني يجاوز خمسة عشر قرنًا بمنهجية وشرح وإطناب دقيق، لقد كان النظارات التي يرى بها الأوروبيون الفلسفة اليونانية، ولهذا يقف على قمة عصر الفلسفة بعد أرسطو، ومن بعده توما الأكويني، ثم إمانويل كانط، على الترتيب الزمني.

قد كان تأثير ابن رشد على الفكر الأوروبي عظيمًا، لدرجة أن كثيرين يعتبرون الفكر الرشدي واحدًا من الأسباب الرئيسية غير المباشرة في بداية عصر النهضة، والذي استطاع أن يخترق الكنيسة بحد ذاتها، رغم أنها كانت تتظاهر برفضها لأفكار ابن رشد، في وقت انتكس فيه الفكر الرشدي في الشرق المتدين، ورُفضت أفكاره وحُرقت كتبه برعاية الخليفة أبي يوسف، الذي كان عكس والده غير متحمس للفلسفة تحت تأثير شيوخ وجماعات الدين الضاغطة، التي اتهمت ابن رشد بالزندقة، فنُفِيَ إلى "أليسانة"؛ حيث تم تهريب بعض من كتبه التي وصلت إلينا بالترجمة اللاتينية.

مارس ابن رشد إلى جانب الفلسفة والقضاء مهنة الطب، وكان من أنبغ أطباء عصره، وقد كان إلى جانب منصب قاضي القضاة الطبيب الشخصي للخليفة، وكتب أزيد من 20 كتابًا طبيًا، أشهرها كتاب "الكُلِّيات في الطب" بالتعاون مع صديقه "ابن زهر"، أحد أعظم أطباء العصور الوسطى.


لقد كان كتاب "الكُلِّيات في الطب" بمثابة موسوعة جاملة لعلوم الطب، جاء في سبعة أبواب، تتطرق لمبادئ وقواعد العلوم الطبية؛ من علم التشريح والفيزيولوجيا والسيميولوجيا وعلم الأدوية والأغذية، فقد جاء كمقاربة متوازنة بين مدرسة أبي قراط ومدرسة جالينوس، وقد كان هذا الكتاب لعظمته المرجع الرئيسي لدراسة الطب في الجامعات الأوروبية حتى القرن السادس عشر، ومكافئًا في المغرب الإسلامي لكتاب "القانون في الطب" لابن سينا في المشرق، وقد كان يقول: "من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيمانًا بالله".

ټوفي ابن رشد، الملقب المعلم الثاني، سنة 1198م بمراكش، ورغم أن الخليفة قد عفا عنه بعد تأكده من بطلان التهم الموجهة إليه وأكرم مثواه في نهاية عمره، إلا أنه لم يهنأ بذلك بعد أن داهمه المړض.

رحل ابن رشد ونُسيت أفكاره التي لفظها الشرق واحتضنها الغرب، ولي من الأصدقاء الأطباء وطلبة الطب من لم يكونوا ليسمعوا يومًا به لولا أن المستشفى الجامعي بمدينة عنابة تحمل اسمه، فقد كان ابن رشد يقول دومًا بأن القبيح ما قبّحه العقل وأن الجميل ما جمّله العقل، وما أجمل عقل ابن رشد!

×

اشترك الان

للاستمتاع بتجربة قراءة

بدون إعلانات