الجمعة 14 مارس 2025
تم تسجيل طلبك بنجاح

‫امرأة لا تخشى الوداع‬ بقلم الكاتبة ‫مــروة أحمـــد‬

موقع أيام ستايل

 ‫نص بجامة‬
‫نعــم عزيــزي القــارئ مثلمــا قــرأت هــذه قصــة‬
‫حدثــت ل نــص بجامــة‪،‬نــص بجامــة مــش معناهــا‬
‫بيجامــة نــص كــم‪،‬ده موضــوع مختلــف تمامــا‬
 ‫محتــاج تقــراه بنفســك‪.‬‬
 ‫أختي بتكلمني الصبح‪:‬‬
  ‫صباح الخير‪،‬عاملين أي؟‬
  ‫أنا‪:‬‬
 ‫أهال أهال كيفك؟‬
 ‫أختي‪:‬‬
‫الحمد هلل‪،‬بيجامة بنتك في المكتب‪.‬‬
 ‫أنا‪:‬‬
 ‫يعنى أيه؟‬
  ‫أختي‪:‬‬
 ‫بجامة يعنى هدوم بيت‪.‬‬
 ‫أنا‪:‬‬
‫دى حاجــه أنــا عرفاهــا‪،‬بــاش يعنــى أيــه‪،‬ليــه طيب؟‬
    ‫هــل بنتــى كانــت بايتــه أو هتبــات فــي المكتب؟‬
 ‫أختي‪:‬‬
  ‫عشان أنا أخدتها معايا البيت وغسلتها ونشفت‪.‬‬
   ‫أنا‪:‬‬
‫اهلل‪.‬أخدتــي بنتــي غســلتيها وكمــان نشــفت‪،‬برافــو‬
 عليكــي هــي دي اللحظــة اللــي بتفــرح أي أم‪.‬‬
  ‫أختي‪:‬‬
‫البجامــة‪..‬البجامــة يــا ســت الــكل هــي اللــي أخدتهــا‬
‫و نشفت‬
‫أنا‪:‬‬
‫اممــم يعنــى انتــي اســتوليتي علــى البجامــة وبعديــن‬
‫ضميــرك صحــا‪،‬طــب كنتــى قــوىل كــده مــن بــدرى‪.‬‬
‫أختــي‪:‬‬
‫ال مــش اســتوليت‪،‬دى مجــرد اســتعارة وخلصــت‬
‫وعايــزة ارجعهــا‪.‬‬
‫أنا‪:‬‬
‫طيــب دي مبــادرة كويســة‪،‬رجعتيهــا ليــه علــى‬
‫المكتــب بقــاا؟‬
 ‫أختي‪:‬‬

 ‫سؤال جميل‪،‬تحبي اسيبها في العربية مثال؟‬
 ‫أنا‪:‬‬
 ‫بمنتهى الدهشه العربية؟‬
  ‫أختي‪:‬‬
‫أنــا عايــزة مــكان تكــوين بتتــرددى عليــه‪،‬لــو‬
  ‫دخلــت دوالبــي هتبقــا ضاعــت لالبــد!‬
  ‫أنا‪:‬‬
‫مــكان بتــردد عليــه ده ممكــن يبقــا األوضــة‬
‫بتاعتــي‪،‬أو بتنــا‪،‬أو أوضــة أمــي‪.‬‬
  ‫أختي‪:‬‬
 ‫ال طبعا ده مستحيل‪،‬أنا عايزة مكان محايد!!‬
‫أنا‪:‬‬
‫محايــد؟ ليــه هــي بجامــة االتحــاد اإلفريقــي! وعلــى‬
‫فكــرة انتــي نســيتي تليفونــك وانــأ جيبتــه مــن البيت‬
 ‫وســلمته بنفســي واهلل ليكــم‪.‬‬
  ‫أختي‪:‬‬
‫خلينــا فــي البجامــة‪،‬أنــا غلطــت لمــا فتحــت معاكي‬
‫الموضــوع‪،‬احنــا نعملهــا أوبــن داي ويتقســم تمنهــا‬
    ‫علــى ‪.3‬‬
 ‫أنا‪:‬‬
‫اييييــه؟ الااااا ‪..‬ســبيها فــي المكتــب وانــا هســتلمها‪..‬‬
 ‫إال البجامــة إال البجامــة !!‬
 ‫أختي‪:‬‬
‫أوكــي ثــم دى مــش بجامــة كاملــة دى مجــرد بلــوزة‬
 ‫بجامــة‪.‬‬
 ‫أنا‪:‬‬
 ‫اييييييييه!!!! قلبي ‪.‬قلبي ‪(..‬بصوت ميمي شكيب)‬


 ‫أختي‪:‬‬
 ‫أيه مالك؟‬
 ‫أنا‪:‬‬

  ‫سيباني ليه شغالة على الفاضى من الصبح‪...‬‬
‫نــص بجامــة ‪..‬نــص بجامــة ‪..‬طلعــت نــص بجامــة!!‬
 ‫بعــد مــرور شــوية ســاعات‬
  ‫أنا‪:‬‬
 ‫أنا استلمت على فكرة نص البجامة‪.‬‬
‫أختــي مبــروووووك‪،‬هيــا نــص ايــوه‪،‬بــس معطلــة‬
 ‫النــص الثانــي‪.‬‬
 ‫أنا‪:‬‬
‫ال خالــص ميــن قــال كــدة؟ أحنــا أصــا بنلبــس‬
‫البجامــة كل نــص مــع نــص بجامــة تانيــة‪،‬وإال‬
‫مكنتيــش لقتيهــا ‪.‬بــس إحنــا بــردو متشــكرين واهلل‪.‬‬
   ‫أختــي‪:‬‬
‫ايــوة ده نــص بجامــة أتغســل وأتنشــر علــى طــول‪،‬‬
‫انتــي عارفــة ســبت الغســيل بيبقــا تــل كبيــر كــده‬
‫تفضلــي تنــزيل فــي الغميــق لحــد مــا تروحــى الغريــق‬
  ‫فــي ســبت أزرق‪،‬رعــب واهلل‪.‬‬
 ‫أنا‪:‬‬
‫مــش عايــزة انــزل فــي الغريــق فــي ســبت الغســيل‬
  ‫–دى حدوتــة تخــوف‪.‬‬
 ‫أختي‪:‬‬
‫بالظبــط‪،‬عشــان كــده أحنــا أخدنــا نــص البجامــة‬
  ‫قبــل مــا تغــرق‪.‬‬
 ‫أنا‪:‬‬
‫يــااااا منتــاااا كرييييييــم يااارب‪....‬كــون مثــل نــص‬
‫البجامــة اللــى انقــذ نفســه مــن الغــرق فــي ســبت‬
  ‫الغســيل‬

 ‫ال أريد سواك‬

‫كانــت الســاعة تشــير إلــى الخامســة إال ربــع عصــرا‬
‫حينمــا ســمع الــزوج صــوت أنيــن مكتــوم بالمطبــخ‬
‫حينهــا هــب مســرعا يتجــه إلــى المطبــخ ليجــده‬
‫ممتلــئ بأثــار دمــاء بســبب الجــرح الــذي أصــاب‬
‫زوجتــه جميلــة فــي يدهــا‪.‬دعينــي أرى‪،‬هكــذا‪،‬لقــد‬
‫جرحــت يــداك جرحــا كبيــرا يجــب أن يضمــد‪.‬فكرت‬
‫جميلــة ســرا ليــس بقــدر الجــرح الغائــر بقلبــي‪،‬ثــم‬
    ‫أجابــت‪:‬‬
‫أنــا‪..‬أنــا بخيــر فقــط جــرح صغيــر وأنــا أقطــع‬
‫شــرائح الخضــروات‪،‬لــم انتبــه لــه ‪.‬اعتــذر عــن تلــك‬
  ‫الفوضــى التــي ســببتها‪.‬جــال‪:‬‬
  ‫سأتصل بالطبيب‬
  ‫جميلة‪:‬‬
‫ال عليــك سيشــفي تلقائيــا‪،‬فقــط أريــد كوبــا مــن‬
‫العصيــر فأنــا أشــعر بالــدوار‪،‬قبــل أن يصــل العصيــر‬
‫ليدهــا كانــت علــى األرض مغشــيا عليهــا‪.‬جــال‬
  ‫فــي فــزع شــديد‪:‬‬
‫الــو أرجــوك يــا دكتــور أحضــر حــاال‪.‬الطبيــب‪:‬‬
‫ســأكون فــي العنــوان خــال دقائــق‪.‬بعــد مــرور ربــع‬
  ‫ســاعة‬
 ‫الطبيب‪:‬‬


‫هــذا المحلــول سيســاعدها علــى ارتفــاع الضغــط‪،‬‬
‫فقــد أصيبــت بهبــوط شــديد فلجــأ الجســم لوضــع‬
‫األغمــاء فــي محاولــة الســتعادة انتظــام الــدورة‬
‫الدمويــة‪..‬ستتحســن خــال الســاعات القادمــة‬
 ‫وســأعود لرؤيتهــا فــي الصبــاح‪.‬جــال‪:‬‬
 ‫شكرا يا دكتور ‪.‬مع السالمة‪.‬‬
‫بينمــا يــودع جــال الطبيــب بذهــن منشــغل مــا الذي‬
‫تســبب لهــا فــي مــا حــدث تســتوقفه قصــة علــى‬
‫شاشــة جهازهــا الصغيــر بعنــوان (صمــت األنيــن)‬
‫كانــت تســجلها قبــل أن تتوجــه إلــى المطبخ مشــغولة‬
‫الذهــن‪،‬مثقلــة القلب‪،‬يشــده العنــوان فيجلــس ليقرأ‬
‫بعــض األســطر ببعــض الفضــول ولــم يتخيــل أنهــا‬
‫تشــير إليــه بيــن الســطور‪_.‬أحتــل األلــم قلــب تلــك‬
‫الفتــاة فــي تلــك اللحظــة وهــو يمازحهــا‪،‬شــعرت بهذا‬
‫األلــم يســرى فــي جســدها كامــا وكأن أحدهــم قــام‬
‫بغلــق منافــذ األوكســجين‪،‬كانــت تســتقبل الكلمــات‬
‫مثــل طلقــات ناريــة تختــرق العظــم‪،‬كيــف لكلمــات‬
‫أن تثقــب قلبــا؟ تــردد بداخلهــا أه لــو تعلــم مــا أشــعر‬
‫بــه فقــط لرســم تلــك االبتســامة الزائفــة علــى وجهى‬
‫!! لــم تســتطع أن تسترســل فــي هــذه التمثيليــة لتبــدو‬
‫واثقــة ويســتمر هــذا المــزاح علــى حســاب جرحهــا‬
‫الغائــر‪،‬ذلــك الجــرح الــذي حــدث منــذ ســنوات ولــم‬
‫يلتئــم بعــد‪،‬برغــم كل محاوالتهــا‪،‬عــادت بالذاكــرة‬
‫إلــى تلــك اللحظــة القديمــة حينمــا كان يحدثهــا‬
‫خطيبهــا الســابق عــن الفتيــات الالتــي يعرفهــن‬
‫ومــدى أعجابهــن بــه‪،‬كان مزاحــه دائمــا ثقيــا بهــذا‬
‫الشــكل‪،‬واكنــت تدعــى الثقــة والــا مبــاالة بالرغــم‬
‫مــن أن قلبهــا كان يعتصــر مــن الداخــل‪،‬إلــى أن‬
‫ســألها يومــا مــاذا ســتفعلين أذا أخبرتــك أننــي‬
‫أحــب ســواك؟ حينهــا أجابــت بألــم لــن أفعــل شــيئا‬
‫ســوى ‪..‬أننــي ســأغادر‪،‬فهــي تعلــم أنهــا ال تجيــد فــن‬
‫األســتجداء الــذي تتقنــه فتيــات هــذه األيــام‪،‬كان‬
‫ينبغــى أن تقــول ســأهد الدنيــا فــوق رأســيكما‪،‬حتــى‬
 ‫وأن كانــت لــن تفعــل‪،‬ولكنهــا لــم تقــل‪..‬‬
‫حينمــا علمــت بعــد ذلــك أن مــا قالــه حقيقــي لــم‬
‫تفعــل ســوى ما قالتــه‪،‬وغــادرت عالمــه بالفعــل‪.‬كان‬
‫جــال يقــرأ باهتمــام شــديد بــل ويشــعر بذلــك األلــم‬
‫الــذي أعتصــر قلبهــا ولكــن مــا قــرأه فــي الســطور‬
 ‫ً‬‫التاليــة هــو مــا أدهشــه فعــا‪.‬‬
‫_ اآلن أشــعر بنفــس األلــم مــن جديــد‪،‬اآلن فقــط‬
‫أعتــرف أننــي معقــده ‪.‬نعــم يبــدو أننــي أنثــي معقــدة‬
‫أخــاف علــى قلبــي حــد الرعــب‪،‬أنثــى تقضــى‬
‫ايامهــا تطمئــن هــذا القــب‪،‬ال تخــش يــا صديقــي‬
‫فنحــن اآلن بخيــر‪،‬لــن يتركنــا هــذه المــرة‪،‬ال تخــش‬
‫علــى مكانتــك اقســم لــك أنــك ال ينازعــك عليهــا‬
‫أحــدا ! يوميــا تعيــد علــى قلبهــا تلــك الكلمــات‪،‬ثــم‬
‫تســتدرج إلــى هــذا الحــوار فــي كل مــرة علهــا تســمع‬
‫مــا يهــدئ مــن قلبهــا المضطــرب وتعــود لنفســها‬
‫مــن جديــد بنفــس النتيجــة وباتفــاق أخيــر أنهــا‬
‫لــن تســتدرج لمثــل هــذا النــوع مــن الهــزل ‪.‬إلــى أن‬
‫وصلــت فــي هــذه اللحظــة أنهــا لــم تعــد تســتطيع أن‬‬‬
‫تفصــل بيــن الجــد والهــزل‪،‬تــدور بعقلهــا مفــردات‬
‫تلــك الجملــة مــرة بعــد مــرة وهــو يقــول أنــه ســيظل‬
‫محتفظــا بهــذا الجــزء من شــخصيته (الحبــوب) حتى‬
‫وأن لــم يظهــر لهــا أو ال تعلــم !! أي شــخص الــذي‬
‫يتحمــل ذلــك؟ وأى مقابــل هــذا الــذي يجعلهــا تقبل‬
‫أن يعجــب بأخريــات ويالطفهــن بعلمهــا أو بــدون؟؟‬
  ‫ألــم يغيــر الزمــن شــيئا بعــد كل هــذه الســنوات؟‬
‫بالرغــم أنهــا تــرى حبــه لهــا وحنــان قلبــه وكرمــه‬


‫معهــا‪،‬ولكــن ‪..‬حيــن تصطــدم بتلــك الجمــل ال‬
‫يمكنهــا التمييــز بيــن الهــزل والجــد‪،‬القــرارات‬
‫والمشاكســات‪،‬كانــت عيون جــال ممتلئــة بالدموع‬
‫وهــو يتابــع كل حــرف ممــا ســجلته جميلــة بينمــا‬
‫يحبــس أنفاســه وهــو يتابــع الكلمــات القادمــة وقلبــه‬
‫ممتلــئ بالرغبــة الصادقــة فــي احتواءهــا واالعتــذار‬
‫لهــا‪،‬فــي هــذه اللحظــة أن كان مــا ســمعته حقيقيــا‬
‫فســأغادر بهــدوء‪،‬فقــد ســئمت التنمــر علــى قلبــي‬
‫المتعــب ‪.‬فــي الكــون متســعا لنــا‪،‬وهنــاك الكثيــرات‬
‫غيــري ممــن يتحملــن ذلــك المــزاح البغيــض بصــدر‬
 ‫رحــب‪.‬‬
‫شــرد جــال بعــد قراءتــه قرارهــا األخيــر وأدرك أن‬
‫هــذه هــي الحالــه التــي ذهبــت بهــا إلــى المطبــخ‬
‫قبــل أن تجــرح يديهــا وهــي شــاردة أو مأخــوذة كليــا‬
‫فــي عالــم مــن أمــواج األفــكار المتالطمــة فــي رأســها‬
‫المشــوش وقلبهــا المتعــب‪.‬أنــا الســبب‪،‬هكــذا نطــق‬
‫بهــا جــال مؤنبــا نفســه‪،‬ذهــب ليلقــي نظــرة عليهــا‬
 ‫ووجدهــا مــا زلـ ِ‬
‫ـت فــي نومهــا العميــق‪،‬وقــد أوشــك‬
   ‫المحلــول علــى نهايتــه‪،‬جلــس بجوارهــا يفكــر‪:‬‬
‫_تعتــذر هــي عــن جــرح يدهــا والفوضــى التي ســببتها‬
‫فــي المطبــخ‪،‬فمــاذا عــن جرحــى أنــا لهــا؟ أنــا مــن‬
‫جرحهــا بســهام كلماتــه وهــو يمــزح وأتيــت ألوقــظ‬
‫هــذا الجــرح مــن جديــد‪،‬برغــم أنهــا ذكــرت مــرارا‬
‫أنهــا ال تفضــل هــذا المــزاح‪.‬اقتــرب منهــا يتفحــص‬
‫النبــض ودرجــة الحــرارة‪،‬يبحــث عــن أي أشــارة‬
‫لعــودة وعيهــا حتــى يعتــذر لهــا عمــا بــدر منــه‪،‬فهــو‬
‫حتــى وان لــم يخنهــا فعليــا فقــد فعلهــا لفظيــا‪،‬حينما‬
‫أســتفز قلبهــا ومشــاعرها بهــذه الممازحــات الثقيلــة‬
‫عليهــا‪،‬كانــت جميلــة تحــاول فــي تلــك اللحظــة أن‬
‫تفتــح عينيهــا بصعوبــة‪،‬أمســك يدهــا وقبلهــا هامســا‬
‫فــي أذنيهــا‪:‬أنــا بجــوارك يــا جميلتــى‪..‬كمــا كانــت‬
 ‫تحــب ان يناديهــا‪،‬ثــم أكمــل‪:‬‬
‫_أســف لقــد كنــت الســبب فــي كل مــا مــررت بــه‬
‫اآلن‪،‬كان مزاحــا ثقيــا وأعــدك أننــي لــن أكــرره‪،‬‬
‫أطمئنــى فأنــا ال أري فــي الدنيــا غيــرك‪،‬وعــذرا ألنهــا‬
‫جــاءت كاعتــراف متأخــر ولكننــي ظننــت أنــك‬
 ‫تعلميــن ذلــك‪،‬أنــا حقــا ال أريــد ســواك‪.‬‬


 ‫قطة قصيرة‬

‫كانــت نانســي الفتــاة ذات الســتة عشــر ربيعــا تســير‬
‫متدثــرة بمعطفهــا يلفــح البــرد وجههــا وحبيبــات‬
‫المطــر بــدأت تتســاقط علــى شــعرها ونظارتهــا‪،‬‬
‫كانــت تفكــر هــل سيســعفها الوقــت لتصــل إلــى‬
‫منزلهــا قبــل انهمــار المطر ام تحاول أســتقالل ســيارة‬
‫أجــرة لنقلهــا ســريعا هــذه المســافة القصيــرة‪،‬حينمــا‬
‫اصطدمــت قدماهــا بشــيء هالمــي توقفــت لتنظــر‬
‫مــاذا قــد أصــاب حذائهــا فــي تلــك اللحظــة غيــر‬
‫المناســبة علــى اإلطــاق لتجــد عينيــن رماديتيــن‬
‫متشــبثتان بهــا‪،‬نظــرت نانســي ولــم تســتطع أن ترفــع‬
‫عينيهــا عــن نظــرات هــذا الكائــن الصغيــر وبــدون‬
‫مقاومــة اقتربــت منهــا وأخرجــت مــن حقيبتهــا‬
‫منديــا وأمســكت بهــذا الشــيء المصنــوع مــن‬
‫الفــرو ظلــت تتأملهــا للحظــة وهــى ال تــدرى مــاذا‬
‫ســتفعل بهــا‪،‬شــعرت بهــذا الكائــن يرتجــف بيــن‬
‫أصابعهــا مــن البــرودة ولكنهــا تحــرك رأســها علــى‬
‫معطــف نانســي باطمئنــان‪،‬اتخــذت نانســي قرارهــا‬
‫باصطحــاب ذلــك الكائــن الصغيــر إلــى المنــزل‪،‬‬
‫كانــت تعلــم أنهــا ســتقابل رفضــا شــديدا مــن قبــل‬
‫والديهــا‪،‬ألنهمــا يخافــان عليهــا بشــده فهــي أبنتهمــا‬
‫الوحيــدة‪،‬األمــر الــذي جعلهــم يقيدونهــا فــي أمــور‬
‫كثيــرة‪،‬مثــل أن يكــون لديهــا الحريــة فــي أختيــار‬
‫أصدقــاء وتكويــن صداقــات‪،‬ذلــك األمــر الــذي لــم‬
‫ينجــح حتــى اآلن رغــم محاوالتهــا الكثيــرة ولكنهــا‬
‫تنتهــي بالفشــل دائمــا بســبب تدخــات والدهــا‬
‫ووالدتهــا ‪.‬ولكنهــا قــررت أخيــرا أن تمنــح هــذا‬
‫الكائــن الصغيــر فرصــة‪،‬وضعــت خطــة لدخولهــا‬
‫المنــزل تعتمــد علــى االتجــاه بهــدوء إلــى غرفتهــا‬
‫مباشــرة‪،‬ثــم حينمــا يأتــي الصبــاح ســتذهب بهــا‬
‫إلــى الطبيــب البيطــري حتــى يفحصهــا ويعطيهــا‬
‫التطعيمــات الالزمــة‪،‬اآلن عليهــا أن تتحــرك ســريعا‬
‫مــن هــذا المــكان‪،‬فقطــرات المــاء أصبحــت أســرع‬
‫وبحجــم أكبــر‪،‬طلبــت مــن صديقتهــا الصغيــرة إال‬
‫تصــدر صوتــا‪،‬وبشــكل مــا فهمتهــا واســتجابت لهــا‪،‬‬


‫وضعتهــا نانســي فــي جيــب معطفهــا وبــدأت تســرع‬
‫خطواتهــا ثــم قامــت بالوثــب هــذه المســافة بجــوار‬
‫أصــوات وأضــواء الســيارات ‪..‬كانــت تشــعر بالبهجــة‬
‫الول مــرة واكنــت تعلــم أن هــذه المنحــة بســبب هــذا‬
‫المخلــوق الصغيــر‪.‬‬
  ‫الدخول‬

‫كانــت أبــواب المنــزل موصــده ولكنهــا اســتعملت‬
‫المفتــاح‪،‬واكن هنــاك ضــؤا خافتــا فــي الردهــة‪،‬‬
‫فهــذا هــو وقــت راحــة والدهــا‪،‬وهــو وقــت ممارســة‬
‫والدتهــا لشــغفها فــي صنــع الحلــوى والمخبــوزات‪،‬‬
‫مامــا اآلن فــي المطبــخ‪،‬هــذا جيــد‪،‬هكــذا حدثــت‬
‫نفســها‪،‬يمكننــا يــا صغيــرىت أن نعبــر للداخــل‬
‫بأمــان‪،‬ولكــن قبــل أن تنهــى كلماتهــا !! تســللت‬
‫رائحة(الكيــك) المخبــوز إلــى ذلــك األنــف الصغيــر‬
‫الجائــع‪،‬فأصــدرت مــواء تطلــب مــن ذلــك الطعــام‬
‫الشــهى‪،‬أرتبكــت نانســي واســتطاعت ان تهــدئ‬
‫مــن قطتهــا بكلمــات وحــراكت مبهمــة‪،‬ولكــن‬
‫كانــت قــد خرجــت والدتهــا مــن المطبــخ ترحــب بهــا‬
‫وتســألها كيــف كان طريــق عودتهــا فــي هــذا الجــو‬
‫البــارد‪،‬حاولــت نانســي جاهــده أن تبــدو هادئــة‬
‫قائلــة‪:‬أنــا ‪..‬أنــا بخيــر تمامــا يــا مامــا‪،‬تنظــر حولهــا‬
 ‫متســائله‪:‬هــل مــازال أبــي نائمــا؟‬
  ‫أجابت األم‪:‬‬
‫تعلميــن أن والــدك يســتيقظ علــى رائحــة المخبوزات‬
‫اللذيــذة وهــى لــم تخــرج مــن الفــرن بعــد‪.‬كادت‬
‫نانســي أن تســمع صــوت الكائــن الصغيــر مــرة أخــرى‪،‬‬
‫فمــرت ســريعا أمــام والدتهــا قائلــة‪:‬عــذرا أمــي لقــد‬
‫أبتــل معطفــي بســبب المطــر وأريــد أن ادخــل غرفتي‬
 ‫ألغيــر مالبســي حــاال‪.‬‬
‫أجابــت األم‪:‬حســنا حبيبتــي ولكــن ال تتأخــري‬
‫علــى موعــد الكيــك‪،‬ســأمنحك نصــف ســاعة فقــط‪.‬‬
  ‫نانسي‪:‬‬
‫أشــكرك يــا أمــي‪.‬دخلــت نانســي غرفتهــا وأغلقــت‬
‫البــاب بإحــكام ثــم اســتردت أنفاســها‪،‬ظلــت‬
‫لدقيقتيــن تتنفــس بعمــق‪،‬أخرجــت صديقتهــا‬
‫الصغيــرة وبــدأت بتمشــيط شــعرها القصيــر وتنظيفها‬
‫وتجفيفهــا‪،‬كانــت تندهــش مــن قصــر ذيلهــا وقصــر‬
‫أقدامهــا وصغــر كل شــيء بهــا إال العينيــن الرماديتين‬
‫الواســعتين‪،‬نظــرت لهــا نانســي بابتســامة رضــا ثــم‬
  ‫بــدأت تحدثهــا‬
  ‫نانسي‪:‬‬
‫اســمعي يــااا‪...‬حســنا ســأختار لــك اســما الحقــا‪،‬‬
‫لكــن المهــم اآلن أن تعــريف أننــا علــى وشــك أن‬
‫نمــر بمــأزق أال أذا تعاونــت معــى‪.‬حســنا أعلــم أنــك‬


‫تتســائلين عــن كيفيــة هــذا التعــاون‪،‬وأنــا ســأخبرك‬
‫أوال‪:‬ال تخرجــي مــن هــذه الغرفة بمفــردك‪،‬ال تخرجي‬
‫إال أذا اصطحبتــك معــى‪.‬ثانيــا‪:‬ال تصــدري أصواتــا‬
‫مــن اجــل الطعــام كمــا فعلتــي منــذ قليــل‪،‬نعــم اعلم‬
‫انــك جائعــة وســأحضر لــك الطعــام إلــى غرفتــى‪.‬‬

  ‫ً‬‫وســأخذك معــى أيضــا إلــى بيــت الراحــة ولكــن‬
‫ال تخرجــى بمفــردك ‪.‬وأى خــرق لهــذه القوانيــن ال‬
‫اضمــن لــك البقــاء بعــده‪.‬نعــم البقــاء ســيكون مؤقتــا‬                                                      ‫ً‬
‫أيضــا‪،‬إلــى ان ابحــث لــك عــن بيــت أخــر تعيشــين‬
‫فيــه بحريــة‪،‬فانــت صغيــرة علــى ان تقضــى عمــرك‬
‫فــي هــذه القيــود‪.‬حســنا ابــق هنــا وســأذهب اآلن‬
‫ألحضــر لــك بعضــا مــن الكيــك اللذيــذ ‪..‬ششــش ال‬
 ‫ً‬‫تنســي التزمــي الهــدوء‪،‬ســأعود حــاال‬
 ‫على مائدة الطعام‬

‫قالــت األم‪:‬هيــا يــا نانســي اقتــريب لتحصلــي علــى‬
‫طبقــك‪،‬كــدت أحضــر ألــى غرفتــك ألناديــك‪،‬لقــد‬
‫مــرت أكثــر مــن النصــف ســاعة المتفــق عليهــا‪،‬‬
‫نانســي تنفســت بعمــق وهــى تحمــد اهلل ســرا أن هــذا‬
 ‫الســيناريو لــم يحــدث‪،‬ثــم أجابــت‪:‬‬
‫_أشــكرك يــا أمــي ال ترهقيــن نفســك‪،‬كنــت فقــط‬
‫أجفــف مالبســي ليــس أكثــر ‪.‬نانســي داخليا لنفســها‬
‫(سينكشــف قريبــا كل هــذا الكــذب) علــي أن أجــد‬
‫طريقــة إلقناعهــم بوجــود ذلــك الكائــن الصغيــر‪،‬‬
‫اســتمرت نانســي فــي شــرودها حتــى أفاقــت علــى‬
‫صــوت والدهــا وهــو يســألها‪ _:‬كيــف ســارت دروســك‬
‫اخبرينــي ولمــاذا لــم تتصلــي ألحضــرك إلــى المنــزل‬
 ‫حيــن ســاء الجــو؟‬
‫أجابــت نانســي‪_:‬كان يومــي جيــدا منــذ الصبــاح‪،‬‬
‫وصراحــة كنــت أســتمتع بذلــك المطــر الخفيــف واا‪..‬‬
‫ســرحت قليــا حينمــا تذكــرت أنهــا ربمــا أذا اتصلــت‬
‫بوالدهــا أو ركبــت ســيارة األجــرة لــم تكــن لتقابــل‬


‫تلــك الصديقــة الجديــدة‪،‬ابتلعــت قضمة مــن الكيك‪،‬‬
‫ثــم تابعــت حديثهــا ببعــض الهــدوء المصطنــع‪،‬لــم‬
‫أكــن أعلــم يــا أبــي أن الجــو ســيتغير‪،‬ولكننــي بخيــر‬
‫كمــا تــرى‪،‬شــكرا علــى رعايتــك واهتمامــك‪.‬األب‪:‬‬
‫أتشــكريني علــى واجبــي؟ أنــت زهــرة القلــب يــا‬
‫نانســي وأخــش أن يصيبــك أى مكــروه‪.‬كانــت تســمع‬
‫تلــك الكلمــات التــي تتمناهــا أى فتــاة مــن والدهــا‪،‬‬
‫ولكــن أكثــر مــا كان يحزنهــا أن تلــك الكلمــات‬
‫ارتبطــت دومــا برفــض طلــب أو إلغــاء شــيئا تحبــه‪،‬‬
‫اآلن هــو ال يعلــم بأمــر قطتهــا ولكماتــه ال تحمــل هــذا‬
‫الرفــض‪،‬تراجعــت عــن أن تفاتحــه فــي أمــر قطتهــا‬
‫حتــى ال تفســد تلــك اللحظــة‪،‬أشــفقت عليــه مــن‬
‫القلــق والخــوف الــذي حملــه لنفســه منــذ ســتة‬
‫عشــر عامــا أو أكثــر عنــد مولدهــا‪،‬وشــعرت باأللــم‬
‫ألن هــذا الخــوف منعهــا مــن الشــعور بالحريــة‪،‬‬
‫ولكــن علــى أى حــال منحهــا أســرة محبــة‪،‬واآلن‬
‫لديهــا صديقــة‪،‬وهــذا بعــض مــا تحتاجــه اآلن ولكنــه‬
‫يكفــي‪،‬أنهــت قطعــة الكيــك وأخــذت مــا تحتاجــه‬
‫صديقتهــا (كريمــة) هكــذا أطلقــت عليهــا‪،‬وتوجهت‬
‫إلــى الغرفــة قائلــة‪_:‬شــكرا يــا أمــي‪.‬دخلــت نانســي‬
‫غرفتهــا موجهــه حديثهــا لكريمــه‪_:‬هيــا تعالــى لقــد‬
‫أحضــرت لــك طعامــك‪،‬ذلــك الــذي كــدت تفتضحي‬
‫أمرنــا حينمــا شــممته‪،‬يجــب أال تتــرك مخلفاتــك‬
‫علــى األرض وأال‪...‬ال ال أريــد أن أتخيــل هــذا علــي‬
‫أى حــال‪،‬كتمــت نانســي ضحكتهــا وهــى تــرى قطتها‬
‫تلتهــم كل الكيــك بمنتهــى الســرعة والشــهية‪،‬وحيــن‬
‫أنهــت طعامهــا قفــزت علــى يــد نانســي وتكــورت‬
‫بشــكل صغيــر ككــورة مــن الفــرو ثــم نامــت‪.‬مــا‬
‫هــذا؟ كائــن صغيــر يعتمــد عليهــا ويثــق بهــا وهــى‬
‫(تكــذب وتحتــال ) لتحافــظ عليــه‪،‬ألول مــرة‬
‫يكــون لديهــا ســرا تخفيــه عــن أســرتها‪،‬ولكنهــا‬
‫ذكــرت نفســها أنهــا كذبــة لمــدة ‪ 24‬ســاعه فقــط‪،‬‬
‫حتــى تذهــب بهــا للطبيــب وتطمئــن علــي ســامتها‬
 ‫وذلــك لســامتهم جميعــا‪.‬‬
‫المواجهة‬

‫أســتيقظت نانســي صباحــا مبكــرة حتــى تتمكن من‬
‫أخــذ كريمــة للطبيــب البيطــرى‪،‬أرتــدت مالبســها‬
‫مســرعة وعقــدت شــعرها بتوكــه إلــى األعلــى‬
‫وارتــدت نظارتهــا‪،‬ثــم بــدأت تبحــث عــن كريمــة في‬
‫كل أنحــاء الغرفــة وتهمــس بصــوت منخفــض كريمــة‬
‫هيــا‪،‬أيــن أنــت؟ كريمــة ‪..‬بــس بس بــس ‪..‬هيــا أظهرى‬
‫يجــب أن نتحــرك اآلن‪.‬وبينمــا هــي كذلــك فتــح بــاب‬
 ‫غرفتهــا‪،‬وســمعت صــوت أبيهــا يســألها‪:‬‬
 ‫_ عماذا تبحثين يا نانسي؟‬
‫_ أجابــت نانســي دون أن تســتدير‪،‬أبحــث عــن شــيء‬
 ‫ســقط منــى وأنــا أهــم بالنــزول‪.‬‬
  ‫األب‪:‬‬
‫هــل تقصديــن هــذا الكائــن وىف نفــس اللحظــة‬
‫ســمعت مــواءا لكريمــه‪،‬اســتدارت نانســي تواجــه‬
‫ابيهــا وهــى تشــعر أن قدميهــا غيــر قادرتــان علــى‬
‫حملهــا وتتمنــى أن يكــون كل ذلــك حلمــا بســبب‬
  ‫توترهــا‪،‬بادرهــا والدهــا قائــا‪:‬‬


‫_ هــل كنــت تتوقعيــن أن رجفتــك ولعثمتــك فــي‬
‫الــكالم وذهابــك الســريع لغرفتــك أن يمــر علــى دون‬
‫أن أدرى‪،‬لقــد أنتظرتــك ليلــة كاملــة لكــى تأتــى‬
‫وتخبرينــي بحقيقــة هــذا المــواء المكتــوم المنبعــث‬
‫مــن غرفتــك‪،‬تكذبيــن يــا نانســي وتكســري ثقتــي‬
‫بــك؟ عقابــا لــك ســيذهب هــذا الكائــن لحال ســبيله‬
‫اآلن‪،‬فتــح األب بــاب الشــقة وأخــرج كريمــه تــاراك‬
‫إياهــا علــى الســلم وأغلــق البــاب بهــدوء ‪.‬نانســي‬
‫تصيــح وهــى تحــاول فتــح البــاب‪:‬كالاا ال تجعلهــا‬
‫تغــادر‪،‬أنــا لــن أســمح بذلــك ‪..‬أنــا لــم أكســر ثقتــك‪،‬‬
‫أنتــم مــن لــم يثــق بــي مــن األســاس‪،‬دائمــا ال تفعلــي‬
‫ذلــك‪،‬ال تقــويل ال تختــاري أتــرك لنــا هــذه المهمــة‬
‫كل شــيء ســيؤذيك‪،‬حتــى فــي المــرة الوحيــدة‬
‫الــذي وجــدت كائــن صغيــر يســليني كشــفت أمــره‬
  ‫ً‬‫وأخرجتــه بــا شــفقة‪.‬األب‪:‬ألنــه أيضــا يمكــن أن‬
 ‫يؤذيــك‪.‬‬
   ‫نانسي‪:‬‬
‫ال أعلــم كيــف لكائــن كهــذا أن يؤذينــى؟ وكيــف‬
‫تــرى ذلــك وال تــرى أن كســر قلبــي مــرة بعــد مــرة‬
‫ال يؤذينــى‪،‬لــم أخبركــم أمــس بأمــر تلــك القطــة‬
‫ألنــى كنــت أعتــزم علــى أخذهــا لزيــارة الطبيــب‬
‫البيطــرى حتــى أتأكــد مــن ســامتها وذلــك يعنــى‬
‫ســامتنا أيضــا‪،‬وكمــا تــرى تحملــت مســؤوليتها‬
‫الصغيــرة وأطعمتهــا مــن طعامــي واســتيقظت مبكــرة‬
‫وارتديــت مالبســي وأخــذت قيمــة الكشــف الطبــي‬
‫مــن مصــرويف ولكنــك أفســدت علــى كل شــيء!!‬
 ‫وفقدتهــا‪.‬‬
‫أكملــت نانســي بعــزم جديــد‪:‬ســأنزل وأبحــث عنهــا‬
‫وأعلــم أننــي ســأجدها أعلــم أنهــا لــن تغادر مــن دوىن‬
‫فقــد أتفقــت معهــا علــى ذلــك منــذ أمــس‪،‬ســأجدها‬
‫وأذهــب بهــا إلــى الطبيــب وأمــا أن نعــود معــا أو ال‬
 ‫نعــود نحــن االثنتيــن‪:‬‬
   ‫األب‪:‬‬
  ‫ما الذي تقولينه؟‬
 ‫نانسي‪:‬‬
‫كمــا ســمعتما يــا أبــي‪،‬ســأذهب للحيــاة مــع جدتــي‬
‫وأحتفــظ بصديقتــي وستخســراني لألبــد‪،‬لقــد‬
  ‫تحملــت مــا يكفينــي‪.‬‬
‫غــادرت نانســي المنــزل ولــم تهتــم لغلــق البــاب‬
‫خلفهــا فــكل مــا كان يهمهــا هــو العثــور علــى‬
‫كريمــه‪،‬كانــت تنتحــب وتنــادى علــى كريمــه‪،‬‬
‫أرجــوك يــا كريمــة ال تغــادري وتتركينــي يــا رب‬
‫اجعلنــي أجدهــا وبينمــا هــي مــا زالــت تبحــث‬
‫تتعثــر قدماهــا فــي ذلــك الجســم الهالمــي مــرة‬


‫أخــرى‪،‬تضحــك مــن خــال دموعهــا وتحتضنهــا‬
‫بشــدة‪،‬كريمــة كنــت أعــرف أنــك تنتظرينــي ماهــذا‬
‫الخيــط الــذي تلفينــه علــى جســدك‪،‬لقــد كنــت‬
‫تســلين وقتــك باللعــب بينمــا أنــا أبكــى لفراقــك‪،‬‬
‫حســنا ال بــاس‪،‬دعينــي أرى كيــف اخلصــك منــه‪،‬‬
‫فقــد تأخرنــا علــى الكشــف الطبــي‪،‬وجــدت نانســي‬
‫ورقــة صغيــرة ملفوفــة بهــذا الخيــط‪،‬فتحتهــا وقــرأت‬
 ‫تلــك الكلمــات بخــط أبيهــا‪_:‬‬
‫أنــا أعلــم أنــك ســتتبعينها ولذلــك ربــط هــذا الخيط‬
  ‫وتركــت لك هــذه الرســالة‪..‬‬
‫حافظــي عليهــا يــا بنيتــي‪..‬لقــد ســهرت ليلــة كاملــة‬
‫أفكــر حتــى اتخــذت هــذا القــرار ‪..‬كنــت أريــد أن‬
 ‫أتأكــد أنــك تريدينهــا‪.‬‬
‫كنــت أريــدك أن تعبــري عمــا بداخلــك‪،‬لقــد شــعرت‬
‫منــذ فتــرة يــا ابنتــي أننــي أخطــأت بقلقــي عليــك‬
‫وخشــيت عليــك مــن الوحــدة التــي استســلمت لهــا‪،‬‬
‫شــكرا لكريمــة التــي أيقظــت الشــغف بداخلــك‬
‫وجعلتــك تثــوري مــن أجلهــا‪،‬هــذا الكائــن صغيــر‬
‫الجســم قصيــر الشــعر واألقــدام رماديــة العينيــن‪،‬‬
 ‫أهــا بهــا فــي منزلنــا‪.‬‬
  ‫طاقية اإلخفاء‬

 ‫طاقية اإلخفاء‬
‫فيرس قلة التقدير‬
 ‫إنسان عادي‪:‬ماذا؟‬
‫اليــف كوتــش مــن بتــوع اليوميــن دول‪:‬اه واهلل زى‬
‫مابقولــك كــده‬
 ‫إنسان وده بقا عبارة عن أيه؟‬
 ‫ل‪.‬ك‪:‬‬
‫أنــا أقولــك شــوف يــا ســيدي ده اعراضــه انــك تبقــا‬
‫مــش بايــن‪،‬ابســطهالك شــوية‪،‬يعنــى تبقا تبقــا البس‬
 ‫طاقيــة اإلخفــاء‪.‬إنســان ال يــا شــيخ ‪..‬أي الجمــال ده‬
 ‫ل‪.‬ك‪:‬‬
‫هــو انــت مــش بتبقــا البســها‪،‬بــس بالنســبة للــى‬
 ‫حواليــك بتبقــا كأنــك البســها‪.‬‬
 ‫إنسان‪:‬اهلل‪..‬يا سالااام‬
‫ل‪.‬ك‪:‬‬
‫ال حضرتــك دى حاجــة مــش حلــوة‪،‬احنــا هنــا فــي‬
‫الحقيقــة مــش الفيلــم‪.‬إنســان‪:‬ليه بقــا حاجــه مــش‬
‫حلــوة‪،‬فهمنــى بســرعة اهلل يخليــك‪.‬ل‪.‬ك‪:‬افهمــك‬
‫‪.‬دى حاجــه مــش حلــوة الن اللــى حواليــك دايمــا‬
‫بينســوك‪،‬بينســوا مواصفــات الحاجــه اللــى بتحبهــا‬
‫واللــى بتدايقــك وممكــن جــدا ينســوا يعملــوا‬
‫حســابك أو مــش عامليــن حســابهم انــك معاهــم‪،‬‬
‫انــت بالنســبة لهــم مخفــى‪،‬فــي الوقــت اللــى انــت‬
‫بتبقــا عامــل حســابك عليهــم‪،.‬وطبعــا هتســالنى‬
 ‫ودى بقــا حلهــا أي يــا كوتــش؟‬
‫إنسان‪:‬‬
 ‫ايوة أنا لسا كنت هسالك فعال‬
 ‫ل‪.‬ك‪:‬‬
‫ماشــي وانــا هجاوبــك واقولــك دى مــش حلهــا انــك‬
‫تتطلــب اكتــر مــن مــرة وال حتــى تعلــى صوتــك‬
‫شــوية وااا‪..‬ســامعك‪،‬وال بــردو انــك تعاملهــم كويــس‬
‫‪..‬مفيــش مانــع طبعــا انــك تتعامــل مــع كل النــاس‬
‫كويــس لكــن مــش هــو ده عــاج فيــرس قلــة‬
‫التقديــر‬
 ‫إنسان‪:‬‬
‫طب والفيروس ده معدي يا كوتش؟‬
ل‪.‬ك‪:‬‬


‫واهلل هــو مظهــرش انــه معــدي إلــى اآلن بس األحســن‬
‫انــه ميبقــاش موجــود إنســان‪:‬عليك نــور يــا كوتــش‪،‬‬
 ‫طــب ويــروح ازاى بقــا؟‬
‫ل‪.‬ك‪:‬الحــل ببســاطه اننــا (نحــرر) قلــة التقديــر‪،‬اي‬
 ‫ده أنــا قلــت نحــرر؟‬
 ‫إنسان‪:‬‬
‫اه قلت نحرر‪.‬‬
‫ل‪.‬ك‪:‬‬
‫واضــح ان التغييــر بقــا بيجــرى فــي كالمــى ببســاطه‬
‫نحــرر يعنــى نمســح أي فكــرة فــي عقلنــا بتقــول ان‬

 ‫النــاس مــش بتقــدرين‪..‬‬
‫إنسان‪:‬‬
‫ااه يعنــى نشــيل طاقيــة االخفــاء اللــى جــوا دماغنــا‪.‬‬
‫ل‪.‬ك‪:‬بالظبــط‪..‬نشــيلها أو حتــى نبيعهــا أو نرميهــا‪،‬‬
‫المهــم انهــا تبقــي مــش موجــوده‪.‬إنســان‪:‬دى حاجــة‬
  ‫جميلــة‪،‬بــس ازاى؟ل‪.‬ك‪:‬‬
 ‫أوال نعترف إننا جوانا قلة تقدير‪،‬تمام كدة؟‬
 ‫إنسان‪:‬‬
 ‫زى الفل‪،‬وثانيا؟ل‪.‬ك‪:‬‬
‫نتنفــس بعمــق ‪ 3‬مــرات بنيــة ان قلــة التقديــر اللــي‬
‫منعانــي مــن إن النــاس تقــدرين تخلــص‪،‬وممكــن‬
‫امشــي مســافة معينــة بنفــس النيــة‪،‬وأخــر حاجــه‬
 ‫اســأل نفســي‪:‬‬
‫أيــه الحاجــة أو الحاجــات اللــي جوايــا اللــي تســتحق‬
‫التقديــر‪،‬وأكتبهــم واألحــط وهمــا بيزيــدو كل يــوم‬
 ‫وأحفظهــم‪.‬‬
  ‫إنسان‪:‬‬
‫واهلل يــا أســتاذ انــت قعدتــك مايتشــبعش منهــا‪،‬‬
‫أنــا حاســس إنــي قاعــد مــع األســتاذ أميــن بتــاع‬
‫البالتــون‪.‬‬
   ‫ل‪.‬ك‪:‬‬
  ‫قصدك احمد امين بتاع حلقات البالتوه؟إنسان‪:‬‬
‫ايوة تمااام‬
  ‫ل‪.‬ك‪:‬‬
‫مهــو األســتاذ احمــد فعــا متفــق معانــا ياخــد مننــا‬
كام حلقــة‪.‬‬
 ‫إنسان‪:‬‬
‫ياااه‪،‬دى حاجة جميلة‪،‬أمتى بقا؟ل‪.‬ك‪:‬‬
‫لما نقلع طاقية األخفاء‬
  ‫أمرأة ال تخش الوداع‬

‫كنــت قديمــا أتــردد كثيــرا علــى بيــت جدتــي أثنــاء‬
‫طفولتــي وبدايــة صبايــا‪،‬كنــت أجــده دائمــا ممتلــئ‬
‫بالقادميــن والمغادريــن وكنــت أجدهــا مرحبــة دائمــا‬
‫بالجميــع‪،‬انطبعــت عنهــا فــي ذاكــريت تلــك الصــورة‬
‫أنهــا ســيدة ال تخشــي الــوداع‪،‬كنــت أتســائل كيــف‬
‫تتركهــم يذهبــون هكــذا بــا وداع‪،‬وىف أحــدى المرات‬
  ‫ســألتها‪:‬‬
‫أال تفتقديهــم عنــد المغــادرة؟ لمــاذا تدعيهــم‬
‫اســتطعت أن تكــوين كذلــك؟‬
 ‫يذهبــون؟ وكيــف‬
‫ابتســمت أبتســامه ال زلــت أذكرهــا‪،‬نصفهــا أعجــاب‬
‫بالســؤال مــن فتــاه صغيــرة لــم تختبــر فــي الحيــاة أال‬
‫القليــل‪،‬لتــرى األمــور بمظهرهــا الخارجــي متناقضــا‬‬‬
‫لمــا تشــعر بــه‪،‬ونصــف االبتســامة األخــر هــو ذلــك‬
‫الحنيــن الــذي تحملــه لؤلئــك المغادريــن والعائديــن‬
  ‫علــى حــد ســواء‪.‬‬
 ‫ثم أجابت بهدوء‪:‬‬
‫زلــت صغيــرة يــا ابنتــي كــي تعــريف أن العمــر‬
 ‫مــا‬
‫لحظــات‪،‬وأن هــذه اللحظــات هــي ميراثنــا الحقيقــي‬
‫ممــن كانــوا معنــا وهــى حقــا مــا ســيتبقى منــا حينما‬
‫نغــادر هــذا العالــم‪.‬وأود ان اتــرك لحظاتــي لــكل مــن‬
‫يتذكــرين كلحظــات مليئــة بالترحــاب‪،‬نعــم يــا ابنتــي‬


‫اشــتاق مثلكــم وىف عمــري هــذا ربمــا أكثــر ولكــن‬
‫أذا عطلتهــم عــن المغــادرة ســيتثاقلون فــي الحضــور‬
‫القــادم وأنــا يــا طفلتــي حقــا اشــتاق لتلــك الزيــارات‬
‫التــي تنبــع مــن أختيارهــم الحــر لهــذا المنــزل وأفعل‬
‫معهــم كمــا أفعــل معكــم‪،‬هــل يمكــن ألحدهــم أن‬
‫يمنعكــم عــن ذهابكــم لدروســكم أو خروجكــم‬
  ‫ً‬‫مــع األصــداء؟ الكبــار كالصغــار أيضــا ال يريــدون‬
‫قيــدت أحدهــم حتــى وأن كان بدافــع‬
 ‫القيــود وإذا‬
‫الحــب ذهــب دون عــودة‪،‬ويكفينــي أننــي أرى فــي‬
 ‫أعينهــم مــاال يقــال بالكلمــات‪.‬‬
‫‪-‬اخبريني يا جدتي ماذا تقول لكى أعينهم؟‬
‫‪-‬أن أعينهــم تفيــض يــا بنيتــي بالكلمــات مــا بيــن‬
‫اشــتقنا لــك ولهــذا المنــزل ولطعامــك وحكاياتــك‬
 ‫وذلــك عنــد عودتهــم‪.‬‬
   ‫‪-‬وماذا تقول لك أعينهم عند المغادرة؟؟‬
‫‪-‬تقــول سنشــتاق كثيــرا لتلــك اللحظــات الدافئــة‬
‫وســنعود ســريعا قــدر المســتطاع‪،‬تقــول أعينهــم‬
‫ســتبقين بالقلــب حتــى لــو ابتعــدت المســافات‪،‬‬
‫وحقــا تلــك الوعــود هــي التــي تســمح لــي أن ادعهــم‬
‫يغــادرون وأنــا أودعهــم بتلــك االبتســامة‪.‬صــدى‬
‫كلماتهــا وتلــك االبتســامة مــا زالــت عالقــة فــي‬
‫ذهنــي حتــى تلــك اللحظــة‪،‬ولكنــك يــا جدتــي لــم‬
‫تعــريف أننــي كبــرت كثيــرا اآلن وأدركــت مــاذا تعنــى‬
‫تلــك اللحظــات‪،‬أدركــت أننا فقــط لحظــات‪،‬لحظات‬
‫أمــل لحظــات لقــاء لحظــات الــم لحظــات اشــتياق‬
‫لحظــات حــب لحظــات صمــت بهــا اكثــر الكلمــات‬
‫حاجــة أن تقــال‪،‬ولحظــات حيــرة‪،‬لحظــات ســعادة‪.‬‬
‫أدركــت يــا جدتــي أن نهايــات القصــص توجــد‬
‫فــي الحكايــات فقــط‪،‬وأن قصصنــا نهايتهــا دائمــا‬
‫مفتوحــة علــى بدايــة أخــرى فــي مــكان أخــر‪،‬ونحن‬
‫فقــط مــن نقيــد أنفســنا فــي ســيناريو واحــد ال نــرى‬
‫البــراح فــي ســواه‪،‬أدركــت يــا جدتــي أننــا نخشــي‬
‫القيــود تمامــا كمــا قلتــى ومــع ذلــك نقيــد أنفســنا‬
‫بمــا شــعرنا أنــه ســيمنحنا الحريــة يومــا مــا‪،‬كنــت‬
‫أتمنــى وجــودك يــا جدتــي معــى فــي هــذه األيــام‬
‫حتــى أحكــي لــك عمــا وصلــت إليــه وأســألك مــاذا‬
‫أفعــل فــي كل مــا أمــر بــه مــن لحظــات؟ نعــم يــا‬
‫جدتــي أشــعر بذلــك الشــوق الــذي ال يهــدأ‪،‬اشــعر‬
  ‫ً‬‫أيضــا بالخــوف‪،‬والرفــض أحيانــا‪،‬اشــعر بالغضــب‬
‫والحــب‪،‬أشــعر بمزيــج مــن المشــاعر للكثيــر مــن‬
  ‫ً‬‫اللحظــات‪،‬ال أعلــم أيضــا أيــن تذهــب قــوة قلبــي؟‪،‬‬
‫هــل كبــرت يــا جدتــي إلــى هــذه الدرجــة؟ لمــاذا‬
‫قلبــي يتأثــر بــكل شــيء؟ اخبرينــي يــا جدتــي لماذا


‫يتأثــر قلبــي بــكل شــيء؟ لمــاذا أرى خيوطــا بيضــاء‬
‫تلــون أجــزاء مــن شــعرى؟ تمنيــت فــي هــذه اللحظــة‬
‫يــا جدتــي أننــي كنــت ســألتك كثيــرا عــن كل شــيء‬
‫اختبرتــه بالحيــاة ‪..‬يــا ليتنــي ســألتك يــا جدتــي عــن‬ ‫كل لحظــات العمــر‪.‬‬
  ‫تشابك الطرقات‬

‫أنــا أيضــا اســتوقفني العنــوان مثلكــم تمامــا‪،‬‬
‫ولكــن تختلــف هــذه القصــة مــن حيــث موقــع هــذه‬
 ‫الشــوارع وماهيــة تلــك الطرقــات‪..‬‬
  ‫ً‬‫كانــت الســماء تميــل إلــى الغيــوم ظهــرا فــي أحــد‬
‫أيــام نوفمبــر الهادئــة حيــن طلبــت والدتــى أن‬
‫انتبــه لــدورة الغســيل األخيــرة حتــى يتســنى لهــا‬
‫أن تنجــز المهــام التــي تقــوم بهــا وتتمكــن مــن‬
‫(نشــر) الغســيل قبــل ان يتغيــر الجــو‪،‬فــي هــذه‬
‫اللحظــة حينمــا توجهــت إلــى الغســالة كانــت فــي‬
‫مرحلــة عصــر المالبــس‪،‬نظــرت بداخلهــا فرأيتهــا‬
‫تبــدو أنهــا مقســمة إلــى طرقــات وســراديب داخليــة‪،‬‬
‫ســرحت قليــا بنطــري إلــى أن اســتوقفني ذلــك‬
‫المشــهد حينمــا رأيــت قميصــا ملتفــا علــى أحــدى‬
‫ذراعيــه فــردة جــورب‪،‬بــدا لــي االمــر كأن األخيــر‬
‫تمســك بصديقــه حتــى ال تجرفــه التيــارات المائيــة‪،‬‬
‫وقــد أعجبــت بهــذا الصديــق الــذي لــم يبخــل علــى‬
‫جــورب صغيــر بهــذا الكــم‪،‬أخذنــي ذلــك المشــهد‬
‫للمزيــد مــن التســاؤالت‪،‬كــم جــورب يــا تــرى تــم‬
‫إنقاذهــم منــذ بدايــة دورة الغســيل؟ وهــل اســتنجد‬
‫جميعهــم بقطــع أخــرى طلبــا للمســاعده أم أكتفــوا‬
‫بالصمــت؟ وهــل اســتجابت لهــم قطــع المالبــس‬
‫األخــرى أم أنــه فقــط ذلــك القميــص الوحيــد الــذي‬
‫مــد ذراع المســاعدة؟ انتبهــت علــى صــوت أمــي‬
 ‫وهــى تســألنى هــل أنهــت الغســالة دورتهــا؟‬
 ‫أجبتها‪:‬‬
 ‫نعم لقد انتهت للتو‪.‬‬
 ‫أمي‬


‫هيــا اخرجــي منهــا الغســيل حتــى أذهــب لوضعــه‬
‫بالشــرفة‪.‬بــدأت بأخــراج قطــع المالبــس ووضعهــا‬
‫فــي وعــاء الغســيل كمــا تريــد أمــي ووجــدت‬
‫فعــا ان هنــاك تشــابك بيــن كــم القميــص وذلــك‬
‫الجــورب الصغيــر‪،‬كمــا وجــدت بعــض الفــوط‬
‫تتمســك بالشراشــف الخفيفــة ألغطيــة األســرة‪..‬يــا‬
‫ألهــى مــا هــذا العالــم وكيــف تســير األمــور بينهــم؟‬
 ‫وعلــى مــاذا أسســت قوانينهــم؟‬
 ‫واحذني ذلك لطرقات وشوارع حياتية‪..‬‬
‫كــم مــرة تعثــر احدهــم بالطريــق وهــب آخــرون‬
‫إلنقــاذه كــم مــرة أضــاع أحدهــم الطريــق ألنــه‬
‫لــم يجــد ذراعــا يســتند عليــه أو يجذبــه للخــارج‪..‬‬
‫كنــت أظــن ســابقا أن الدعــم هــو النصــح باســتمرار‬
‫والتوجيــه‪،‬ولكــن أدركــت اآلن ان الدعــم ليــس‬
‫ســوى الــذراع المناســب فــي الوقــت المناســب‪..‬‬
‫الــذراع الــذي نتمســك بــه أثنــاء أعصــار الحيــاة‬
‫بأمــان‪،‬ال يرفــض وال يخزلنا‪..‬الدعــم هــو مــا رايتــه‬
‫بيــن كــم القميــص والجــورب الصغيــر فــي طرقــات‬
 ‫شــوارع دورة الغســيل‪.‬‬
 ‫أحببت ريحانه‬

‫بداخــل غصنهــا كانــت تتمايــل زهــرة الريحــان‬
‫برشــاقة ســعيدة بموقعهــا المتميــز داخــل الحديقــة‬
‫الــذي يجعلهــا تشــرف علــى كل أخبــار الحديقــة‬
‫عــن قــرب‪،‬لــم تخــش أبــدا زهــرة الريحــان مــن اي‬
‫زهــرة أخــرى قــد يراهــا البعــض تفوقهــا جمــاال ولــم‬
‫تتمنــى أن تكــون يســمينا وال فــل وال قرنفــل وال أى‬
‫زهــرة أخــرى‪،‬كانــت تؤمــن أن مــا حباهــا اهلل بــه من‬
‫رائحــة ذكيــه وقــوام مــرن يتمايــل مــع األيــام وألــوان‬
‫ممتزجــة مــن البنفســجي المحبــب واألخضــر هــو مــا‬
‫تحتاجــه بالظبــط لتكــون جميلــة بمــا يكفــى أو‬
   ‫يزيــد‪..‬‬
‫وبينمــا تســتمتع زهــرة الريحــان بهــواء المســاء العليل‬
‫وبعــض أصــوات الضفــادع الصديقــة المســتيقظة اثناء‬
‫منتصــف الليــل حيــن لمحــت ذاك الغريــب الــذي‬
‫أتــى لليــوم الثالــث علــى التوالــي إلــى الحديقــة‪،‬‬
‫يســير وحيــدا ثــم يجلــس بمنتصــف الحديقــة فــي‬
 ‫صمــت‪.‬‬
‫قــد يكــون ممارســا إلحــدى فنــون التأمــل الصامــت‪،‬‬
‫أو أتــى ليتعافــى بالطبيعــة مــن أمــر مــا‪،‬ولكــن مــا‬
‫زاد مــن دهشــتها توجهــه إليهــا اليــوم ليقــف عندهــا‬
‫مطيــل النظــر بهــا‪،‬ثــم تحــدث أخيــرا واكنــت دهشــتها‬
‫كبيــرة ألنهــا تعلــم أن البشــر لــم تعتــاد التحــدث إلى‬
  ‫النباتات‪.‬‬
‫ومــا زاد مــن دهشــتها أنهــا فهمــت مــا يقولــه لهــا‪،‬‬
‫كيــف ذلــك هــل تجيــد الزهــرة لغــات البشــر أم هــو‬
‫الــذي يحدثهــا بلغــة الزهــور؟ أم هــي لغــة أخــرى‪،‬‬
‫حديــث المشــاعر اقتربــت وانصتــت لــه حيــن قــال‪:‬‬
‫هــل تعلميــن أنــك كنتــى الزهــرة المفضلــة لزوجتــى‬
‫علــى مــدار عشــرين عامــا كاملــة‪،‬كنــت اتســائل‬
‫مــاذا بينكمــا؟ كانــت تأتــى لتســقيك وتســعد بنمــوك‬
‫وانباتــك ألغصــان أكثــر وأكثــر يومــا بعــد يــوم‪،‬‬
‫كنــت أوبخهــا أحيانــا لنزولهــا فــي المســاء أو فــي‬
‫درجــات الحــرارة الشــديدة أو البــرودة‪،‬واكنــت تــرد‬
 ‫علــي بابتســامتها‪:‬‬
 ‫عذرا انها الريحانة!!‬


‫واآلن بعــد رحيلهــا أوصتنــي باإلعتنــاء بــك‪،‬كنــت‬
‫أتــى األيــام الماضيــة وأعطيــك ظهــرى فقــد كنــت‬
‫متذمــرا جــدا‪،‬فلقــد حصلــت منهــا علــى النصيــب‬
‫األكبــر مــن األهتمــام والرعايــة‪،‬إلــى أن جذبنــي‬
‫عطــرك اليــوم رغمــا عنــى‪،‬فأجدنــي علــى أعتابــك‬
‫امتثــل لرغبتهــا فــي العنايــة بــك‪.‬مهــا مــا هــذا‬
‫الــذي أراه؟ هــل يهبــط النــدى فــي منتصــف الليــل؟؟‬
‫أم هــل تبكــى الريحانة؟هــل تبكيــن صديقتــك حيــن‬
 ‫علمتــي برحيلهــا !!يــا الهــى مــا هــذا الحــب؟‬
‫أنــا أيضــا أحببتــك أيتهــا الريحانــة وأتمنــى أن‬
 ‫تمنحينــي بعضــا مــن هــذا الحــب‪.‬‬
 ‫أحببت ريحانه‬
  ‫أي شادو‬

‫تختــار رؤى ظــل العيــون باهتمــام شــديد وتســتعمله‬
‫بإتقــان ومهــارة عاليــة‪،‬فهــي تؤمــن أن ظــال‬
‫العيــون أشــد ســحرا وتأثيــرا علــى شــعور الفتــاة‬
‫بثقتهــا وقوتهــا الذاتيــة مــن أي محاضــرة عــن القــوة‬
‫والتطويــر‪:‬رؤى فتــاة جامعيــة أنيقــة فــي الســنة‬
‫النهائيــة مــن كليــة الفنــون الجميلــة‪،‬يشــهد لهــا‬
‫الجميــع بالجمــال والثقــة والجاذبيــة والقــوة‪،‬فهــي‬
‫لــم تكــن يومــا مثــل فتيــات تلــك األيــام الالتــي‬
‫يتمتعــن بالــدالل والرقــة‪،‬وال يضرهــا ذلــك‪،‬ولكنهــا‬
‫تــرى أن الفتــاة المعاصــرة التــي تنــوى علــى العمــل‬
‫وتفكــر بالدراســة والســفر يجــب أن تتمتــع بالقــوة‬
‫لذاتهــا واالحتــرام ذلــك األمــر الــذي لــم يكــن يقبله‬
‫خطيبهــا رائــد‪،‬وبالرغــم مــن أنــه كان يــدرس معهــا‬
‫فــي نفــس القســم إال أنــه لــم يكــن يقتنــع بأنهــا‬
‫ســتنزل إلــى العمــل بعــد التخــرج وممارســة العمــل‬
‫الجــاد األمــر الــذي أدى لفســخ تلــك الخطبــة مــن‬
‫شــهرين قبــل امتحانــات الفصــل الدراســي األول‬
‫بأســبوع واحــد بعــد الحــوار الــذي احتــد بينهــم فــي‬
‫الجامعــة أمــام جميــع الزمــاء ولــم يكن ذلــك للمرة‬
‫األوىل‪،‬بــدأ تعــارف رؤى ب رائــد منــذ ‪ 5‬ســنوات‬
‫حينمــا جمعهــم سيكشــن تصويــر واحــد ‪...‬لفــت‬
‫انتباهــه ثقتهــا العاليــة وتركيزهــا على ضبط عدســات‬
‫الكاميــرا والتقــاط زوايــا مبهــرة لنفــس الشــيء الــذي‬
‫يلتقــط لــه صــورا بــكل المجهــود الــذي يبذلــه وال‬
‫يمكــن القــول انــه أكثــر مــن صــور عاديــة لــه‪،‬ظــل‬
‫رائــد يتابعهــا شــهرا كامــا يجتمعــون فــي األماكــن‬
‫نفســها للتصويــر ولــم تلحظــه رؤى ابــدا‪،‬فهــي لــم‬
‫تبــد اهتمامــا حقيقيــا لشــيء ســوى عدســتها‪،‬بينمــا‬
‫رائــد كان فــي خــال شــهر قــد اســتحوذت رؤى على‬
‫تفكيــره تمامــا خصوصــا تلــك العينــان الســاحرتان‬
‫المزينتــان بظــال الجفــون‪:‬عاشــت رؤى طفولــة‬


‫صعبــة‪،‬ولــدت بدولــة الكويــت الشــقيقة ألســرة‬
‫مصريــة ســافرت فــي العقــود المبرمــة فــي التعــاون‬
‫المصــري الخليجــي كانــت رؤى االبنــة الكبــرى ولها‬
‫اخــت تصغرهــا بعاميــن‪،‬وىف البدايــة كانــت حياتهــم‬
‫مســتقرة التحقتــا بالمدرســة االبتدائيــة المشــتركة‬
‫ثــم انتقلــت رؤى للمدرســة المتوســطة(اإلعدادية)‬
‫واكن لهمــا العديــد مــن الصديقــات واألصدقــاء مــن‬
‫كل الجنســيات إلــى أن حــدث فــي ذات يــوم ذلــك‬
‫العــدوان علــى البلــد الصغيــر الهــادئ ليســتيقظ‬
‫الجميــع علــى صبــاح لــم تشــرق لــه شمســا‪،‬تتزاحــم‬
‫الطائــرات فــوق ســماء البلــد الــذي امســي هادئــا
‫وأصبــح خائفــا مشــتعال‪،‬تحجــب األدخنــة األفــق‪،‬‬
‫تأثــر منزلهــم بهــذه الطلقــات كمــا توقــف عمــل الوالد‬
‫ولك مــا اســتطاعوا الوصــول إليــه هــو أقــرب معبــر‬
‫بكثيــر مــن الخــوف والجــراح حتــى عبــروا كباقــي‬
‫الالجئيــن ثــم أرســلتهم تلــك المينــاء الشــقيقة إلــى‬
‫مينــاء مصــر بالباخــرة‪،‬اختلفــت الحيــاة تمامــا بعــد‬
‫عودتهــم وحقــا قامــت األســرة بمجهــودات مكثفــة‬
‫حتــى يتعافــون مــن هــذه الصدمــة جميعــا‪،‬بحــث‬
‫األب عــن عمــل جديــد واضطــر أن يقبــل بــأى عمــل‬
‫وجــده متاحــا فــي ذلــك الوقــت حتى وهــو براتــب اقل‬
‫بكثيــر ممــا كان يحصــل عليــه فــي مصــر نفســها‬
‫قبــل الســفر‪،‬ادى ذلــك إلــى بيعــه لقطعــة أرض كان‬
‫يدخرهــا واشــترى بــدال منهــا ســيارة(تاكس) حتــى‬
‫يســتطيع أن يوفــر الطلبــات العاديــة لألســرة‪،‬ســاعده‬
‫علــى ذلــك زوجتــه ســحر المحبــة الحنونــه‪،‬فلــم‬
‫تكــن تشــكو مــن غيابــه الطويــل عــن المنــزل ولــم‬
‫تتذمــر مــن ســوء الحــال‪،‬كمــا بحثــت عــن عمــل‬
‫بالتدريــس ولكــن لــم تتمكــن مــن االنتظــام فــي‬
‫مدرســة حتــى ال تتــرك الفتاتيــن فــي هــذه الظــروف‬
‫النفســية العصيبــة بمفردهما فلجئت إلــى مجموعات‬
‫التقويــة بالمنــزل فــي مــواد العلــوم والرياضيــات فهــي‬
‫كانــت مثــل رؤى ابنتهــا مهندســة ديكــور ولكنهــا‬
‫ســافرت ولــم تــزاول المهنــة لــم تكــن رؤى تفهــم‬
‫فــي ذلــك الوقــت مــا حــدث لهــم‪،‬ولكنهــا أدركــت‬
‫أن حياتهــا اختلفــت اختالفــا كبيــرا وأنهــا لــم تعــد‬
‫تلــك الطفلــة المدللــة واســتطاعت أن تتقبــل‬
‫ذلــك بســبب صبــر والدتهــا وحثهمــا علــى تحمــل‬
‫الظــروف الجديــدة وعــدم الضغــط علــى أبيهمــا‬
‫فــي متطلبــات إضافيــة‪،‬ذاكــرت رؤى باجتهــاد فقــد‬
‫قــررت أنهــا ســتجتهد وتنهــى دراســتها ثــم تســافر‬
‫للعمــل بــأى دولــة وقــد تعــود لمســقط رأســها فهــي‬
‫لــم تنســاها ابــدا‪،‬فقــررت أن تجــرب العمــل بمكتبــة‬
‫بجانــب دراســتها حتــى تســتطيع أن تســاعد نفســها‬
‫وأســرتها الصغيــرة‪،‬فكانــت منــذ الصــف األول‬
‫الثانــوى تنهــى مدرســتها وتذهــب للمكتبــه تعلمــت‬
‫فيهــا أصــول تصويــر الــورق وطبــع النســخ العلميــة‬
‫واكنــت تتقاضــى أجــرا زهيــدا مقابــل مــا تقــوم بــه‪،‬‬
‫وتذاكــر أيضــا أثنــاء وجودهــا بالمكتبــة‪،‬ولكنهــا‬
‫كانــت تســتعمل هــذا األجــر الرمــزي كمصــروف لهــا‬


وألختهــا فريــدة‪،‬فكانــت تشــعر دومــا أنهــا ابنتهــا‬
‫ويجــب أن تحــي بشــكل أفضــل مــن ذلــك بالرغــم‬
‫أنهــا تكبرهــا بعاميــن فقــط كان عملهــا فــي تصويــر‬
‫الــورق بالمكتبــة بدايــة لشــغفها بالتصوير‪،‬اكتشــفت‬
‫أن ضبــط األوراق حتــى تصبــح المذكــرة فــي افضــل‬
‫نســخة لهــا أمــر تحبــه بشــده‪،‬إلــى أن جــاءت تلــك‬
‫اللحظــة حينمــا دخــل (عميــل) يحمــل كاميــرة‬
‫تصويــر فوتوغرافــي ليقتنــى بعــض األوراق البيضــاء‬
‫(كانســون) وأقــام التلويــن‪،‬حيــث دار بينهــم هــذا‬
 ‫الحــوار‬
 ‫رؤى‪:‬‬
‫نعــم لــدى مــا تطلبــه‪،‬ولكــن هــل تســمح لــي أن‬
 ‫اجــرب تلــك الكاميــرا الزائــر‪:‬‬
‫بالطبــع ولكــن احترســي ال تضعــي أضبعــك علــى‬
‫صورتــك قابلــة‬
 ‫أردت أن تصبــح‬
  ‫فتحــة التصويــر إذا‬
‫للتحميــض والطباعــة‪،‬التقطــت رؤى اول صــورة لهــا‪،‬‬
‫كانــت لبــرواز معلــق علــى إحــدى ارفــف المكتبــة‬
‫وحيــن رأهــا عمــاد ســألها مندهشــا‪،‬أيــن تعلمــت‬
‫التصويــر؟ أخبرتــه رؤى أن هــذه هــي الصــورة األوىل‬
 ‫لهــا‬
 ‫الفصل الثاني لقاء تعارف‬
‫أخبرهــا عمــاد بعــد أن اســتلم االوراق واأللــوان‪،‬انــه‬
‫طالبــا بالســنة النهائيــة فــي الفنــون الجميلــة‪،‬وانــه‬
‫يحصــل علــى تقديــر ممتــاز كل عــام وســيصبح‬
‫معيــدا فــي الكليــة وان والــده لديــه اســتوديو خــاص‬
‫بــه وســيعرض هــذه الصــورة عليــه وهــو متأكــد انهــا‬
‫ســتحوز إعجابــه مــر أســبوع علــى هــذا اللقــاء‪،‬‬
‫انشــغلت فيــه رؤى بمدرســتها ودروســها وعملهــا‬
‫بالمكتبــة ونســيت تمامــا كل مــا كان بشــأن هــذا‬
‫اللقــاء إلــى أن وجــدت ذات يــوم عمــاد ووالــده‬
 ‫يدخلــون عليهــا المكتبــة‬
‫عماد‪:‬‬
‫هــذه رؤى يــا أبــي صاحبــة الصــورة التــي حدثتــك‬
‫عنهــا عمــاد محدثــا رؤى‪:‬أبــي لــم يصــدق أن هــذه‬
‫هــي أول صــورة تلتقطينهــا وظــل طــوال األســبوع‬
‫يحثنــي أن أنهــى مشــاريعي حتــى أحضــره إلــى هنــا‪،‬‬
‫اعتــذر عــن تأخيــر هــذا اللقــاء ولكــن تعلميــن‬
 ‫مشــاريع التخــرج‬
 ‫رؤى‪:‬‬
‫ال بأس‪،‬أهال بكم‪،‬يسعدني رؤيتك يا أستاذ‪.‬‬
‫عماد‪:‬‬
 ‫جميل‪،‬والدى يدعى جميل‪،‬أسف لم أعرفكم‬
 ‫رؤى‪:‬‬
‫تعرفنــا بمــن؟ وهــل يخفــي القمــر‪،‬حضرتــك األســتاذ‬
‫جميــل صاحــب فــروع اســتوديوهات جميل الشــهيرة؟‬
  ‫جميل‪:‬‬


‫نعــم يــا بنيتــي وأنــا هنــا لديــك اآلن حتــى تلتقطــي‬
‫لــي صــورة‪،‬واعلــم أنهــا ســتكون اجمــل صــورة‬
‫التقطــت لــي علــى اإلطــاق مــدت رؤى يدهــا‬
‫للحصــول علــى الكاميــرا بيــد مرتجفــة تــكاد تســمع‬
‫دقــات قلبهــا‪،‬ولكنهــا ركــزت علــى مــا تقــوم بــه‬
‫‪.‬نظــرت فــي عدســة الكاميــرا ويدهــا مقوســة قليــا‬
‫تديــر العدســة يمينــا ويســارا بمقــدار مللــي واحــد‬
‫حتــى تضبــط الــكادر رفعــت إضــاءة المكتبــة قليــا‬
‫طلبــت مــن أســتاذ جميــل أن يكــون هادئــا مبتســما‬
‫ينظــر إلــى العدســة بثبــات واا كمخــرج محتــرف‬
‫يصيــح أكشــااان التقطــت رؤى صــورة األســتاذ‬
‫جميــل قبــل أن يبــدأ هــذا األخيــر بالتملمــل‪،‬نظــر‬
‫جميــل لصورتــه داخــل الــكادر بدهشــه حقيقيــة ثــم‬
‫تــرك الكاميــرا وصفــق بشــدة لــرؤى وهــو يضحــك‬
  ‫قائــا‪:‬‬
‫أخيــرا حصلــت علــى الصــورة التــي حلمــت بهــا مــن‬
  ‫زمان‪.‬‬
‫ضحكــت رؤى بســعادة حقيقيــة‪،‬فهــي لــم تكــن
‫تتوقــع هــذا االستحســان لمســتواها‪،‬كمبتــدأة عــرض‬
‫عليهــا جميــل قبــول التدريــب لديــه فــي االســتوديو‬
‫ولكنهــا تــرددت قليــا‪،‬فذلــك يعنــى أنهــا ســتتنازل‬
‫عــن اجــر المكتبــة اســتفاقت مــن شــرودها علــى‬
 ‫صــوت األســتاذ جميــل يحدثهــا‪:‬‬
‫يــا رؤى أنــا أريــدك أن تنضمــي إلــى فريــق‬
‫العمــل لــدى باالســتوديو فأنــا اختــار فريقــي مــن‬
‫الموهوبيــن‪،‬التصويــر ليــس فقــط مهنــة ولكنــه فــي‬
‫األســاس موهبــة وانــت لديــك موهبــة فائقــة وســتنمى‬
‫مــن خــال التدريــب فــي االســتوديو‪،‬واختيــارى‬
‫للموهوبيــن هــو مــا جعــل اســتوديوهات جميــل‬
‫تحظــى بهــذا التوســع علــى مــدار الســنوات الماضيــة‬
 ‫رؤى‪:‬‬
‫ال يمكــن ألحــد أن يرفــض مثــل هــذا العــرض وهــذه‬
 ‫الثقــة يــا أســتاذي ولكــن اقصــد لكنــى‪..‬‬
  ‫قاطعها جميل‪:‬‬
‫زلــت فــي ســنوات‬
 ‫نعــم اعلــم يــا بنتــى انــك مــا‬
‫الدراســة وبالتأكيــد لديــك التزامــات بمذاكرتــك‬
   ‫ً‬‫والتزامــات ماديــة أيضــا‪،‬وانــا اضمــن لــك راتبــا منــذ‬
‫بدايــة تدريبــك معنــا ‪..‬كمــا أن وقتــك باالســتوديو‬
‫لــن يتعــدى الثــاث ســاعات فــي أيــام الدراســة‬
‫وســنعوض الفــارق فــي اإلجــازات اعتــرض عمــاد‬
‫صائحــا‪:‬منــذ متــى يــا أبــي وانــت تتعامــل بمبــدأ‬
‫الخيــار والفاقــوس‪،‬أنــا ابنــك لــم احصــل علــى ربــع‬


‫هــذا العــرض‪،‬صدقينــي يــا رؤى أنــا أعمــل عنــده‬
‫مجانــا منــذ زمــن بعيــد‪،‬صــاح األب ال تصدقيــه‬
‫أوال هــو ال يعمــل عنــدي هــو يمــارس شــغفه فــي‬
‫االســتوديو‪،‬ثــم أنــه حصــل علــى ســيارة جيــدة يحلــم‬
‫بهــا أي شــاب عنــد التحاقــه بالجامعــة ضحــك‬
‫الجميــع‪،‬ولكــن ظــل عمــاد يشــاكس والــده‪،‬قائــا‪:‬‬
‫أن الســيارة يــا رؤى هــي هديــة نجاحــي فــي الثانويــة‬
‫العامــة ضحكــوا جميعــا‪،‬وأضافــت رؤى‪،‬يبــدوا أن‬
‫والــدك يــا عمــاد يدللــك كثيــرا زم عمــاد شــفتيه‬
‫متصنعــا الغضــب‪،‬وهــو يزمجــر ليتنــى لــم اعرفكمــا‬
‫ببعضكمــا‪،‬لقــد تحالفتمــا علــى‪،‬عمومــا ســاتخرج‬
‫هــذا العــام ألصبــح معيــدا بالكليــة وإذا تخصصــت‬
‫فــي التصويــر ودرســت فــي كليــة الفنــون ســأثأر‬
‫ألجــل هــذا التحالــف أعوامــا واعــوام‪،‬ضحكــوا‬
‫جميعــا وغــادر عمــاد ووالــده المكتبــة بعــد االتفــاق‬
‫مــع رؤى انهــا ســتنضم لالســتوديو مــع بداية األســبوع‬
 ‫القــادم ‪.‬‬
‫رجعــت رؤى للمنــزل تغمرهــا ســعادة كبيــرة وتروادها‬
‫أحالمــا ســعيدة‪،‬تشــعر انهــا كمــن وجــد أخيــرا بداية‬
  ‫الطريق‪.‬‬
‫الفصل الثالث في االستوديو‬
‫افاقــت رؤى مــن شــرودها حينمــا اوصلتهــا ســيارة‬
‫األجــرة امــام بــاب الجامعــة‪،‬وبمجــرد دخولهــا‬
‫كان عمــاد المعيــد الصديــق بالكليــة واقفــا مــع‬
‫مجموعــة مــن زمالئــه اســتأذنهم وبادرهــا بالتحيــة‪:‬‬
‫صبــاح الخيــر‪،‬الباشمهندســة متأخــرة ليــه؟ وكمــان‬
 ‫مكشــرة؟‬
‫يبــدو أن هنــاك شــيئا يحتــاج أن نتحــدث بشــأنه‪،‬فال‬
‫يمكــن أن يكــون المصــور الوحيــد الــذي ســيصور‬
 ‫فرحــى تعيســا بهــذا الشــكل!! أي حــظ هــذا!‬
‫اتســعت ابتســامة رؤى لســماع خبــر فــرح عمــاد‬
‫فهــي كانــت تعلــم بقصتــه المتعبــة مــع ماريــا وكــم‬
‫الصعوبــات التــي واجهتهــم كشــابين فــي بدايــة‬
‫حياتهمــا‪،‬كانــت ماريــا حــب عمــاد األول واألخيــر‬
‫ولــم يســتطع أن ينســاها طــوال الثــاث ســنوات التــي‬
‫اضطرهــا أهلهــا أن تســافر فيهــم وتبتعــد عــن عمــاد‬
‫ولكــن االتصــاالت لــم تنقطــع بينهمــا حتــى عــادت‬
‫وعــاد الــود مــرة أخــرى‪،‬عمــاد شــاب مجتهــد ولــه‬
‫مســتقبل مشــرق باإلضافــة إلصــراره وتصميمــه علــى‬
‫مــا يريــد‪،‬وهــا هــو اآلن يخبرهــا بموعــد الزفــاف‬
 ‫أجابــت رؤى‪:‬‬
‫أنــا فــي احســن حاالتــي اآلن لســماع هــذا الخبــر‬


‫الســعيد‪،‬بلــغ العــروس مباراكتــي وتفرغــا لــي يومــا‬
‫حتــى أقــوم بتصويركمــا فــي أماكــن مختلفــة واعمل‬
‫لكــم (فوتــو سيشــن) الئقــا‪.‬‬
 ‫عماد‪:‬‬
‫علــم وينفــذ حضــرة البــاش مصــورة ضحــكا ســويا‬
‫ثــم اســتأذنته حتــى ال تتأخــر عــن محاضــرة دكتــور‬
‫حســن وهــو مــن أقــدم المحاضريــن بالكلية‪،‬يعشــق‬
‫الفــن ويحفــظ تاريــخ الفــن اإلســامي كاســمه‪،‬واكن‬
 ‫يحدثهــم عــن مشــروع تخرجهــم قائــا‪:‬‬
‫إن الفــن اإلســامي ملــئ بالفــن والزخــارف وأريــد‬
‫مجســماتكم تتحــدث بالنيابــة عنكــم حتــى‬
‫التصويــر أريــده أن يكــون حيــا ينقــل شــعورا‬
‫باألصالــة والمعاصــرة‪،‬موعــد التســليم بعد أســبوعين‬
 ‫مــن اآلن‪،‬بالتوفيــق لكــم جميعــا‪.‬‬
‫أســبوعين وتتخــرج رؤى وتبــدأ فــي ممارســة المهنــة‬
‫التــي تعشــقها والحيــاة العمليــه التــي إرادتهــا‬
‫لنفســها‪،‬وبالرغــم مــن حبهــا لالســتاذ جميــل ولكنها‬
‫لــن تظــل حبيســة االســتوديو‪،‬فتصويــر بــرج ايڤل لــن‬
‫يتــم مــن غرفــة تصويــر األســتاذ جميــل‪،‬وهــى لــن‬
‫تخــذل حلمهــا هــي تديــن حقــا لألســتاذ جميــل بهــذا‬
‫الفضــل‪،‬فهــو مــن دلهــا علــى شــغفها وعلمهــا الكثير‬
‫وعاملهــا كابنتــه تمامــا‪،‬حتــى حينمــا دخلــت الكلية‬
‫كان يعيرهــا أدوات عمــاد التــي لــم يعــد يســتعملها‪،‬‬
‫وأول كاميــرا اقتنتهــا رؤى كانــت هديــة النجــاح مــن‬
‫أســتاذ جميــل بل أنهــا ال تنســي صورته التــي حمضها‬
‫وبروزهــا ووضعهــا بمدخــل االســتوديو فكانــت أول‬
‫شــيء تقــع عيناهــا عليــه هــي بــرواز مــن تصويرهــا‬
‫حينمــا لمســت أقدامهــا المــكان‪،‬وبذلــك فهــي ال‬
‫تنســي أنــه كأبيهــا تمامــا‪،‬حتــى أن رائــد خطيبهــا‬
‫الســابق حينمــا حــدد معــاد الخطبــة أصــرت عليــه‬
‫أن يأتــى معهــا االســتوديو لدعــوة األســتاذ جميــل‪،‬‬
‫فكانــت بذلــك أول فتــاة تخطــب مــن أبيــن فــي‬
‫نفــس الوقــت‪،‬وكــم كانــت ســعادة األســتاذ جميــل‬
‫عظيمــه بلقــاء والــد رؤى األســتاذ ناجــى المحاســب‬
‫بشــراكت مدبــوىل لصناعــة األثــاث‪،‬فقــد كان والدهــا‬
‫نموذجــا لــاب المثالــى كمــا وصفــه األســتاذ جميــل‪،‬‬
‫وقــد نشــأت صداقــة قويــة بينهمــا منــذ ذلــك اليــوم‪،‬‬
‫لــم تغــب عــن عيــن رؤى أبــدا لحظتهــا األوىل‬
‫فــي اســتوديو جميــل الشــهير وهــى تلــك الفتــاة‬
‫البســيطة الصغيــرة التــي جــاءت لتتــدرب فــي أشــهر‬
‫األســتوديوهات بمدينتهــا‪،‬قابلــت حينهــا تلــك الفتــاة‬
‫التــي كانــت تكبرهــا بخمســة أعــوام‪،‬كانــت تتميــز‬
‫نبــع بجمــال طبيعــي ولكنهــا كانــت تعــرف كيــف‬
‫تظهــره ليبــدو اقــوى وأعمــق‪،‬وهــذا أول مــا علمتــه‬
 ‫لــرؤى‪،‬مــا زالــت تتذكــر كلماتهــا‪:‬‬
‫العيــون يــا رؤى تعكــس مــا نقــول ومــا ال نقــول‪،‬وأن‬
‫كنــت ســتتمرنين علــى تصويــر البورتريــه فيجــب‬
‫عليــك اوال أن تــوىل عيــون العمــاء اهتمامــا الئقــا‪،‬‬
‫ولكــن كيــف توليهــم ذلــك االهتمــام بــدون أن توىل‬
‫عيونــك أهتمامــا؟ فاقــد الشــيء ال يعــرف كيــف‬
‫يعطيــه‪.‬وأخذتهــا نبــع مــن يدهــا قائلــه‪:‬هيــا تعالــى‬
‫معــى فــي غرفــة التصويــر ألريــك كيــف تضعيــن‬
‫ظــال العيــون‪.‬‬
‫بعــد مــرور عشــرة دقائــق‪،‬هــا‪،‬أنظــرى كيــف‬
‫أصبحت؟فتحــت رؤى عينيهــا ببطــئ ولــم تســتطع‬
‫للوهلــة األوىل أن تصــدق أن المــرأة تعكــس صورتهــا‬
‫هــي ‪..‬كانــت أجمــل بكثيــر ممــا أعتــادت عليــه مــن‬
‫نفســها‪،‬وللحظــة ظلــت تبحــث بعينيهــا فــي الغرفــة‬


‫علهــا تجــد شــخصا أخــر معهمــا تعكــس المــرأة‬
 ‫صورتهــا‪.‬‬
 ‫مــا زلـ ِ‬
‫ـت تذكــر ضحكــت نبــع وهــى تؤكــد عليهــا‪:‬‬
‫نعــم يــا رؤى أنــك بهــذا الجمــال وهــذه القــوة‪،‬ال‬
‫تتخلــى أبــدا عــن ســحر عيونــك‪.‬نبــع صديقتهــا التي‬
‫منحتهــا الكثيــر مــن الخبــرة والثقــة فــي نفســها ويف‬
‫هــذا المجــال‪،‬هــي مــن أهتمــت بعمــل التزييــن‬
‫الكامــل لــرؤى فــي تلــك الخطبــة المنتهيــة قبــل أن‬
‫تســافر نبــع مــع زوجهــا وتتــرك مســؤلية األســتوديو‬
‫كلهــا علــى عاتــق رؤى‪،‬اآلن يحتــاج األســتوديو‬
‫إلــى رؤى صغيــرة جديــدة تتمــرن علــى يــد رؤى‬
‫الحاليــة قبــل أن تقــرر تــرك األســتاذ جميــل‪،‬فهــي‬
‫تعلــم كــم الشــغل باالســتوديو وصحــة األســتاذ‬
‫جميــل لــم تعــد كالســابق‪،‬فلــن تتركــه قبــل ان يتوفــر‬                             ‫ً‬
‫بديــل ‪.‬وهــى فرصــة أيضــا حتــى تســتطيع مراســلة‬
‫الهيئــات الســياحية الدوليــة التــي تهتــم بتصويــر‬
‫المعالــم األثريــة وترســل لهــم ســيرتها الذاتيــه إلــى‬
‫أن تتلقــي ردا مــن أحدهــم كمــا انهــا تريــد أن تحضــر‬
‫خطوبــة أختهــا علــى حســام ذلــك المحاســب الــذي‬
‫يعمــل تحــت أدارة أبيهــا والــذي أعجــب بفريــدة‬
‫منــذ أن وقعــت عينــاه عليهــا فــي أحــدى األيــام‬
‫التــي زارت فيهــا مكتــب والدهــا ثــم تكــرر اللقــاء‬
‫حينمــا دعــاه ناجــى لحضــور خطبــة ابنتــه رؤى‪،‬‬
‫واكن هــذا اللقــاء اطــول وتبــادال فيــه كلمــات أكثــر‬
‫وانتظــر حســام حتــى أتمــت فريــدة دراســتها الثانويــة‬
‫والتحقــت بكليــة األداب قســم األثــار الــذي تعشــقه‬
‫وهــى اآلن فــي الســنة قبــل النهائيــة‪،‬وبالنســبة‬
‫إلــى رؤى فهــي حتــى وان أنهــت خطبتهــا مــع رائــد‬
‫وتفكــر حاليــا فــي الســفر والمســتقبل المهنــي إال‬
‫انهــا لــن تقــف فــي طريــق ســعادة أختهــا فهــي ال‬
‫تؤمــن بترتيــب الكبــري والصغــرى وقــد أنهــت مــع‬
‫أهلهــا ذلــك الحــوار وتمســكت برأيهــا أن ال تأجيــل‬
‫لخطبــة فريــدة ألي ســبب كان‪،‬فهــي تعلــم أن فريــدة‬
‫أغرمــت بحســام أيضــا وبينهمــا توافــق كبيــر‪،‬كمــا‬
‫أن حســام مــن أســرة راقيــة ووالدتــه تحــب فريــدة‬
‫كابنتهــا التــي لــم يســاعدها القــدر لتنجبهــا‪،‬وبذلــك‬
‫فهــي مطمئنــه علــى أختهــا فــي هــذه العائلــة‪.‬حيــاة‬
‫رؤى ومــا مــرت بــه فــي طفولتهــا جعلتهــا دائمــا‬


‫تنظــر للمســتقبل وتحــاول أن تضــع خططــا مناســبه‬
‫لــه حتــى ال تفاجــئ مجــددا مثلمــا حــدث ســالفا‬
‫‪.‬حتــى فســخها لخطبتهــا مــن رائــد فبرغــم حبــه‬
‫لهــا الــذي كان يتغنــى بــه صباحــا ومســاءا إال أنــه‬
‫اســتعمل ذلــك الحــب للضغــط عليهــا والحــد مــن‬
‫طموحهــا وتقليــل حريتهــا‪،‬لــم يتفهــم أن االختــاق‬
‫الــذي رأه فيهــا عــن باقــي الفتيــات نابــع مــن ذلــك‬
‫الشــغف الــذي يحركهــا وتلــك المســؤولية التــي‬
‫تحملتهــا منــذ أن كانــت طالبــة بالمدرســة‪،‬شــعرت‬
‫ببعــض الحزن واألســي لفســخها لخطوبتهمــا‪،‬ولكنها‬
‫حاولــت أقنــاع رائــد مــرارا أن يشــاركها أحالمهــا وأن‬
‫يجمعهــم حلمــا مهنيــا واحــدا كمــا ســوف يجمعهــم‬
‫بيتــا واحــدا‪،‬واكن ذلــك ســيحل مشــكلتهم المهنيــة‬
‫والعائليــة فقــد كانــت تنــوى ان تؤجــل الســفر حتــى‬
‫تتوفــر فرصــة تجمعهمــا ســويا‪،‬كانــت ســتكتفي‬
‫باســتوديو أقــل بكثيــر مــن أســتوديو األســتاذ جميــل‬
‫ويعمــا همــا علــى توســعته وتطويــره‪،‬لكــن رائــد‬
‫الغيــرة والتحكــم اغلــق عينيــه وقلبــه‪،‬فلــم تســتطع‬
‫إال أن تتركــه ‪.‬وهــا هــي اآلن تعمــل علــى تنفيــذ‬
‫مشــاريع تخرجهــا وتتحمــل مســؤولية االســتوديو‬
‫وتبحــث فــي جــدول مواعيدهــا عــن يــوم مناســب‬
‫لــل (فوتــو سيشــن) الخــاص بعمــاد وعروســه‪،‬كمــا‬
‫تنــزل مــع فريــدة الختيــار فســتان الخطوبــة وتختــار‬
‫فســتان ســهره لهــا فهــي أخــت العــروس‪،‬كمــا تابعــت‬
‫معهــا تأكيــد حجــز تصويرهــا مــع أســتوديو جميــل‪،‬‬
‫ففريــدة ليســت أقــل ممــن تصورهــم أختهــا بــل فــي‬
‫عينيهــا هــي أجملهــن‪،‬كمــا تراهــا رؤى بقلبهــا بينمــا‬
‫تقــوم والدتهمــا باالتفــاق علــى البوفيــه ومتابعــة الزي‬
‫الخــاص بهــا وحجــز بدلــه والدهــم وعمــل ديكــور‬
‫غرفــة المعيشــة وتحويلهــا لقاعــة مميــزة تحتفــظ‬
‫بهــذه الذكريــات الســعيدة كان الجميــع منشــغال‬
‫بالترتيــب والتنظيــم‪،‬ولكــن هــذا المنــزل كان‬
‫يحتــاج هــذه الفرحــة المجمعــة‪،‬فحتــى وان ســارت‬
‫الحيــاة مؤخــرا بشــكل طبيعــي وهــادئ واســتطاع‬
‫ناجــى ان يحقــق تقدمــا فــي عملــه ليحصــل علــى‬
‫منصــب مديــرا لــإدارة الحســابات بالشــركة ممــا‬
‫جعلــه يعيــن ســائقا لســيارته األجــرة الــذي بــدوره‬
‫كان ينقــل الفتيــات مــن والــى الجامعــه‪،‬ولكــن‬
‫الفرحــة المجمعــة شــيء أخــر وقــد حــان موعدهــا‬
‫اآلن ليفــرح الجميــع ملــئ قلوبهــم‪.‬الفصــل الرابــع‬
  ‫حفــل التخــرج ‪.‬‬
‫فــي هــذا اليــوم المشــرق منــذ بدايتــه أســتعدت رؤى‬
‫وارتــدت ثيابهــا وأكــدت علــى أســرتها اللحــاق بهــا‬
‫فــي تمــام الســاعة الخامســة فــي القاعــة المقــام بهــا‬
‫الحفــل بالكليــة كمــا أكــدت علــى عمــاد وعروســه‬
 ‫واألســتاذ جميــل حضورهــم جميعــا‪.‬‬
‫كان ذلــك اليــوم بالنســبة لــرؤى هــو اليــوم العالمــي‬
‫(عالمهــا) لتتويــج حلمهــا الــذي تعبــت مــن أجلــه‬
‫وانتظرتــه ســنوات‪..‬القي العميــد كلمتــه االفتتاحيــة‬
‫ثــم بــدأ التكريــم وتســليم الشــهادات والتصويــر‬
‫ســلمت علــى رائــد وباركتــه وتمنــت لــه حظــا جيــدا‬
‫ثــم جــاء دورهــا وتســلمت شــهادتها وســط فرحــة‬
‫ناجــى والدهــا وعمــو جميــل وعمــاد وماريــا وفريــدة‬
‫وحســام ووالدتهــا ســحر‪،‬بينمــا تحاوطهــا الســعادة‬
‫مــن كل جانــب وبعــد انتهــاء الحفــل ومباركــة‬


‫الجميــع لهــا وعنــد ذهابهــا للمنــزل وهــى تتلقــي‬
‫رســائل التهنئــة علــى بريدهــا اإللكتــروين فتفاجــئ‬
  ‫بتلــك الرســالة‪.‬‬
‫مبــرووك يــا رؤى‪،‬انتظــرت تلــك اللحظــة منــذ وقــت‬
‫طويــل‪،‬ال تتعجبــي فأنــا أعرفــك جيــدا وأتابعــك منذ‬
‫ســنوات فــي صمــت ولكــن لــم تكــن الظــروف‬
‫مناســبة وخصوصــا أثنــاء فتــرة خطوبتــك أو بعــد‬
‫فســخها مباشــرة‪،‬لذلــك كان علــى أن أنتظــر حتــى‬
‫هــذه اللحظــة ولــن أخــف عنــك مــدى ســعادتي‬
‫بفســخ تلــك الخطبــة فقــد كان أملــى الوحيــد أن‬
‫يصبــح لــي مــكان فــي حياتــك يومــا مــا ‪..‬اعتــذر‬
‫لهــذه المقدمــة بــدون أن أعرفــك بنفســي إلــى اآلن‬
‫أنــا هشــام األخ التالــي لنبــع‪،‬لــم تكــف نبــع عــن‬
‫الحديــث عنــك وحينمــا ســافرت لــم يمــر يــوم بــدون‬
‫ذهابــي لكليتــك‪،‬رأيتــك وأنــت فــي كل حاالتــك‬
‫المزاحيــة وكــم تمنيــت أن أقتــرب وأعرفــك بنفســي‪،‬‬
‫ولكــن تــرددت كثيــرا حتــى ال تظنــي أن نبــع هــي‬
‫مــن أرســلتني أليــك ‪..‬مــازال لــدى الكثيــر والكثيــر‬
‫ألخبــرك بــه يــا رؤى ‪..‬فعلــى ســبيل المثــال أنــا أعمــل‬
‫اآلن علــى مشــروع أنشــاء محــاكاة لمقبــرة تــوت‬
‫عنــخ أمــون فــي إيطاليــا وحينمــا انتهــي مــن تنفيــذه‬
‫سأســافر لإلشــراف علــى التصميــم وأحتاجــك معــى‬
‫لتصويــر العمــل وتوثيقــه لحظــة بلحظــة وال تقلــق‬
‫فأنــا مفــوض الختيــار فريــق العمــل‪،‬أرجــو إال أكــون‬
‫زحمــت رأســك بالكثيــر مــن أألفــكار‪،‬وال أريــدك‬
‫أن تتصــوري أننــي أســتغلك مهنيــا‪،‬ولكنــى أعــرف‬
‫جيــدا مــدى شــغفك وأن فبلتــي بالتعــارف بــي عــن‬
‫قــرب ســيصبح لكيانــك ومســتقبلك المنــى جــل‬
‫االعتبــار‪.‬هــل حقــا مــا تــرأه‪،‬وســريعا وقبــل أن تــرد‬
‫علــى الرســالة بحــرف واحــد أرســلت لنبــع تخبرهــا‬
‫بمحتــوي الرســالة‪.‬‬
‫نبــع‪:‬أعلــم ذلــك وأنــا مــن كان يدعــو هشــام للتريث‪،‬‬
‫فهــو مغرمــا بــك منــذ وقــت طويــل‪،‬أرجــو أن يكــون‬
‫جــرح فســخ خطبتــك قــد شــفى فأنــا لــن أجــد ألخي‬
‫زوجــة مثلــك ولــن أجــد لنفســي صديقــة وأخــت‬
‫أفضــل منــك تنضــم إلــى أســرتنا الجميلــة‪.‬ابتســمت‬
‫رؤى وهــى تتذكــر أن اهلل لــم يؤخــر ســعادتها فــأن‬
‫كان قــدر لهــا أن تســتمر مــع رائــد فــأن زفافهمــا كان‬
‫مقــدرا لــه أن يكــون فــي مثــل هــذه األيــام‪،‬واآلن‬
‫هــي ليســت وحيــده وبشــكل أفضــل بكثيــر ممــا‬
‫ســبق فهــي تثــق بنبــع وقــد تصــادف أنهــا رأت هشــام‬
‫باالســتوديو مــرة أو مرتيــن حينمــا جــاء يصطحــب‬
‫نبــع‪،‬وضحكــت مــن قلبهــا حينمــا تذكــرت تلــك‬
 ‫الزيــارات الملفقــة‪.‬‬
‫فتحــت جهازهــا الصغيــر وأرســلت رســالة ردا علــى‬
‫هشــام‪:‬ال أدرى بمــاذا أجيبــك ولكنــى أتذكــر أننــي‬
‫رأيتــك مــرة أو أثنتيــن علــى األكثــر مــع نبــع فــي‬
‫األســتوديو واكن ذلــك منــذ وقــت طويــل‪،‬ويف عالمنــا‬
‫ال يعتــد بالصــور التــي مــر عليهــا أكثــر مــن ســتة‬
‫أشــهر‪،‬لــذا ‪..‬فأنــا أقبــل أن تــزورين مجددا باألســتوديو‬
‫ألحصــل علــى صــورة جديــدة لــك‪.‬ضحــك هشــام‬
‫مــن قلبــه حينمــا قــرأ ردهــا وتبــادال أطــراف الحديث‬
‫وشــعرت رؤى بألفــة غريبــة تجمعهــم شــجعها ذلــك‬
‫علــى قبــول طلبــه بتنــاول فنجــان قهوتهــا الصباحيــة‬
‫معــه‪،‬لــم تتوقــف المحادثــات بينهمــا إلــى أن الح‬
‫الصبــاح فارتــدت مالبســها واهتمــت بظــال العيــون‬
‫وغــادرت المنــزل متجــه إلــى المقهــى المتفــق عليــه‪،‬‬
‫فــي التاســعة صباحــا كان لقائهمــا يتنــاوالن القهــوة‬
‫علــى أنغــام فيــروز ليكتشــفا أنهمــا يحمــا نفــس‬
‫الشــغف فــي أمــور كثيــرة منهــا أغانــي فيــروز بينمــا‬
‫كانــت تغنى(أنــا لحبيبــي وحبيبــي إلــي) غــاص‬
‫بعينيهــا متأمــا ظاللهــا والرمــوش قائــا‪:‬عينيــك‬
‫رائعــة يــا رؤى بــل كل مــا فيــك ثــم طلــب منهــا‬
‫اإلنصــات لألغنيــة جيــدا‪..‬كان قلبهــا وألول مــرة‬
‫يشــعر بســعادة حقيقــة‪،‬لــم تســتطع أن تمنــع نفســها‬
‫مــن تذكــر رائــد وتحمــد اهلل أنهــا لــم تســتمر‪،‬فكيــف‬
‫كانــت ستســتمر معــه وهــى لــم تشــعر بمثــل هــذا‬
‫اإلحســاس وهــذه الراحــة‪،‬ســرحت قليــا كانت بشــرة‬
‫رائــد بيضــاء ناعمــة بعيــون ســوداء وجبهــة عريضــة‪،‬‬
‫كانــت مالمحــه تعتبــر جميلــة ولكــن طباعــه لــم‬
‫تســتطع رؤى أن تتكيــف معهــا‪،‬أمــا هشــام فحظــي‬
‫ببعــض جمــال نبــع أختــه نفــس البشــرة البرونزيــة‬
‫قليــا والعينيــن البنيتيــن والوجــه الممتلــئ عنــد‬
‫الخــدود ولكــن مالمحــه مريحــة تبعــث االطمئنــان‬
‫فــي القلــب علــى الفــور كمــا أنــه يســتعمل العطــر‬
‫الممــزوج برائحــة خشــب الصنوبــر الــذي كانــت‬
‫تتمنــى أن يســتعمله رائــد بــل وقــد أحضرتــه لــه فــي‬
‫عيــد ميــاده ذات مــرة‪،‬ولــم يهتــم بــه مكتفيــا بتعليق‬
‫مجامــل ولــم يســتعمله أبــدا عــادت بحضورهــا إلــى‬
‫هشــام بينمــا يكــرر ســؤاله عليهــا هــل لديــك مانــع‬
‫أن أحــدد مــع والــدك موعــد خطوبتنــا األســبوع‬


‫القــادم فــي نفــس موعــد حفــل فريــدة أختــك وأختي‬
 ‫أيضــا‪...‬‬
‫لــم تتمالــك رؤى نفســها وأجابــت بســعادة حقيقيــة‬
‫ال مانــع لــدى‪،‬مــرت األيــام التاليــة والبيــت يتزيــن‬
‫والجميــع بســعادة واكنــت رؤى وفريــدة أحلــى‬
‫عروســتان صورهمــا األســتاذ جميــل فــي ذلــك اليــوم‬
‫‪.‬حيــث غمــرت الســعادة الجميــع‪.‬‬
  ‫حديث_ الفنون‬
‫تشــمل الفنــون أنــواع عديــدة فهــي ال تقتصــر فقــط‬
‫علــى فن الرســم والتلويــن والزخــارف‪،‬أو فنــون النغم‬
‫والموســيقي أو فنــون ومهــارات الكتابــة بأشــكالها‬
‫المتعــددة‪،‬بــل هنــاك فنــون أخــرى‪،‬ولكــن لألســف‬
‫ال يمارســها اغلــب النــاس‪،‬برغــم بســاطتها‪،‬يطلــق‬
‫عليهــا بعضهــم مهــارات التواصــل ولكنــى أميــل‬
‫لوصفهــا كنــوع مــن الفنــون واآلن ســنتناول بعضهــا‪،‬‬
‫مثــل فــن الشــكر وفــن التســامح وفــن االعتــذار‬
‫وهــذه بعــض أنــواع الفنــون التــي لــم تأخــذ حقهــا‬
  ‫مــن الشــهرة‪،‬لــذا ســأحاول تناولهــا بالتفصيــل‪.‬‬
 ‫ً‬‫أوال فن الشكر‪:‬‬
‫يعتبــر هــذا الفــن مــن اريق الفنــون‪،‬ألنــك تــدرك‬
‫أنــك حصلــت علــى شــيئا يســتحق الشــكر‪،‬وهــو فــي‬
‫العمــق إدراك لنعمــة أصابتــك مهمــا كانــت بســيطه‬
‫وتقديــم الشــكر لمــن أهــداك شــيئا حتــى وإن كان‬
‫بســيطا أو كانــت هديتــه بعــض الكلمــات يتــرك أثــرا‬
‫كبيــرا ال ينســي‪،‬تقديــم الشــكر يســري فــي القلــب‬
‫مخلفــا شــعورا بالبهجــة والمــودة والتقديــر ليعــود‬
‫اليــك مــرة أخــرى محمــا بفيــض مــن العطايــا‬
‫مــن اهلل عــز وجــل‪،‬أحيانــا تكــون لدينــا رغبــة‬
‫كبيــرة بشــكر أحدهــم ولكــن يمنعنــا الخجــل‪،‬هــل‬
‫ســأتحدث لغربــاء؟ هــل ســيقبل منــى ذلــك؟ واالن‬
‫اقــول لــك نعــم‪،‬قــدم الشــكر لعامــل المصعــد الــذي‬
‫ال تعرفــه ولبائــع الجرائــد وســائس الجــراج‪،‬قــدم‬
‫الشــكر لــكل شــخص منحــك شــيئا حتــى وإن كنــت‬
‫تــراه بســيطا‪،‬حتــى‪..‬وان كان يعتبــره األخــر تأديــة‬
‫لعملــه‪..‬اشــكره عليــه‪،‬تبــادل الشــكر ســيجعل‬
‫حياتــك غنيــة باالمتنــان والتقديــر وال تنســي شــكر‬
‫الخالــق علــى مــا يمنحــه لــك باســتمرار ‪.‬فــن الشــكر‬
‫هــو مــن الفنــون الواجــب التدريــب عليهــا حتــى ال‬
‫يتحــول المــرء إلــى كتلــة مــن اإلســاءة تســير علــى‬
               ‫قدميــن‪.‬ثانــي الفنــون هــو التســامح‪:‬‬
‫التســامح مــن اروع الفنــون واهمهــا علــى االطــاق‪،‬‬
‫ومــع ذلــك ال يتقنــه إال القليــل‪،‬ينشــغل الجميــع‬
‫بمــدى اإليــذاء النفســي الــذي حــدث لــه وكــم‬
‫كان األخــر مخطئــا بحقــه‪،‬مؤججــا بذلــك الشــعور‬
‫المشــتعل بداخلــه‪،‬متناســيا أنــه يحــرس بداخلــه‬


‫نــارا تركهــا صاحبهــا وغــادر منــذ زمــن‪،‬يجــب أن‬
‫تعلــم عزيــزي القــارئ أنــه إذا قــام أحــد اللصــوص‬
‫بمحاولــة لســرقة بيتــك فانــك مــن ســيقوم بإصــاح‬
‫هــذا المنــزل‪،‬إمــا انتظــارك للــص إلصــاح مــا أتلفــه‬
‫فهــذا أمــر غيــر مجــد بــأي حــال مــن األحــوال‪،‬‬
‫كذلــك أي فعــل ســيئ أو مــؤذ لــن يقــوم صاحبــه‬
‫بإصالحــه هــذا واجبــك انــت‪،‬أن تصلــح مــا أفســده‬
‫أحدهــم بداخلــك وتتعلــم الــدرس مــن ذلــك‪،‬عندمــا‬
‫أتحــدث عــن فــن التســامح فأنــا اقصــد ذلــك النــوع‬
‫مــن القــوة التــي تجعلــك تفــوض كامل أمــرك هلل‪،‬وال‬
‫تشــغل بالــك بمصيــر المخطــئ بحقــك‪،‬وال تتنــازل‬
‫عــن حقوقــك المعلقــة‪،‬ســامح واحصــل علــى حقــك‬
‫وهــذا هــو فــن التســامح كمــا يجــب أن يكــون‪.‬ثالثــا‬
‫فــن اإلعتــذار يهمــل العديــد هــذا الجانــب متعلــا‬
‫بــأن األمــر لــم يكــن يســتحق‪،‬ولكــن اعتــذارك‬
‫ألحدهــم ال يعنــى بالضــرورة بأنــك المخطــئ‬
‫وأنــه علــى صــواب‪،‬بــل يعنــى انــك تحــرص علــى‬
‫االحتفــاظ بهــذا الشــخص فــي حياتــك وانــك مــا‬
                                                    ‫زلـ ِ‬
‫ـت متمســكا بوجــوده‪،‬لــذا فــإن اتقــان هــذا النــوع‬
‫مــن الفنــون يعتبــر بمثابــة هديــة تقدمهــا لألخــر‬
‫فــي اللحظــات التــي ربمــا أوشــك بهــا الرصيــد علــى‬
‫النفــاذ‪،‬امــا أن كنــت مخطئــا حقــا يــا صديقــي‪،‬‬
‫فــا تكابــر وبــادر بتقديــم اعتــذارك مســرعا‪،‬فهــذا‬
‫لــن ينقــص مــن قــدرك ابــدا بــل يرفعــه فــي عيــن‬
‫مــن أخطــأت بحقــه‪،‬فــإن كســب القلــوب أوىل مــن‬
‫كســب المعــارك‪،‬وألنــه يبــدأ عنــده وينتهــي كل‬
‫شــيء فــإذا أتقنــت فــن االعتــذار بالشــكل والوقــت‬
‫المناســب أتقــن اآلخــر فــن التســامح‪،‬أدى ذلــك‬
                           ‫الســتمرار فنــون الشــكر‪.‬‬
‫تحتــاج هــذه الفنــون للممارســة والتدريــب عليهــا‬
‫مثلهــا مثــل باقــي الفنــون الشــهيرة‪،‬لذلــك اقبلــوا‬
‫منــى أن أتقــدم بــكل الشــكر إليكــم مــن قلبــي‪.‬‬
             ‫قلبًا طيبًا ووردة‬
‫كنــت أطــن حينمــا كنــت طفلــة أنــه مــن الســهل‬
‫علــى أي إنســان أن يتمتــع بالطيبــة وحســن المعاملــة‬
‫وان الطبــاع الشــخصية شــيء يؤثــر علــى الشــخص‬
‫نفســه وال يتأثــر بهــا مــن حولــه‪،‬كنــت اقيــس كل‬
‫شــيء علــى مقيــاس التحصيــل الدراســي‪،‬فالمجتهــد‬
‫هــو مــن يذاكــر كثيــرا فيتفــوق ليصبــح طبيبــا أو‬
‫مهندســا ليفيــد المجتمــع‪،‬وبذلــك هــو شــخص طيب‪،‬‬
‫امــا الشــخص الكســول أو البطــيء فــي التحصيــل‬
‫والتعلــم فهــو ليــس لــه نفــع‪،‬وبذلــك هــو شــخص‬
‫ليــس طيــب‪،‬وقــد ال يكــون شــرير وقــد يختلــط‬
‫بالســيئين فيصبــح مثلهــم‪،‬وعليــه فــأن النظــرة التــي‬
‫كبــرت بهــا للكــون كانــت ضيقــة وظالمــه للغايــة‪،‬‬
‫وانتظرتنــي الحيــاة خــارج بــاب الجامعــة حتــى إذا‬
‫أنهيــت تحصيلــي الجامعــي وتخرجــت‪،‬فتحــت لــي‬
‫أبــواب التعليــم الحقيقــي علــى مصراعيهــا‪،‬وحقــا‬
              ‫كان هنــاك الكثيــر والكثيــر ألتعلمــه‪.‬‬
‫أول درس قدمتــه لــي الحيــاة كان عــن معنــى الطيبــة‬
‫وعــدم الطيبــة‪،‬وأنها ال تقــاس أبدا بالمســتوى العلمي‬


‫ألي شــخص وال بالمســتوى االجتماعــي حتــى‪،‬وان‬
‫مــا نســميهم طيبيــن ال يقفــوا فــي الصفــوف األماميــة‬
‫وال علــى اليميــن والباقــي علــى اليســار‪،‬أوىل دروس‬
‫الحيــاة لــي كانــت فــي عــدم التصنيــف والتالــي كان‬
‫فــي عــدم التعميــم ‪.‬كلنــا فينــا الطيــب الجيــد وفينــا‬
‫غيــر ذلــك ولكنــا مختلطيــن متشــابكين فــي نســيج‬
‫واحــد‪.‬علمتنــي الحيــاة أيضــا أن الطيبــة ليســت‬
‫شــيء ســهل‪،‬ألنــك كــي تكــون طيبــا ال تــؤذي أحدا‬
‫تحتــاج إلــى قــوة‪،‬نعــم قــوة نفســية كبيــرة تمنعــك‬
‫مــن اإليــذاء عنــد المقــدرة‪،‬وتســاعدك فقــط علــى‬
‫أخــذ حقــك بالطــرق المشــروعة‪،‬ويالهــا مــن معركــة‬
‫غيــر هينــه‪،‬حينمــا يتحــداك أحدهــم فمــا أن تبــادر‬
‫بالــرد حتــى تــراه ينهــزم فــا يكــون أمامــك إال أن‬
‫تملــك زمــام نفســك وترحــم هــذا الضعــف الــذي لــم‬
‫تكــن وضعتــه فــي المعادلــة‪،‬علمتنــى الحيــاة أن‬
‫قلبــا طيبــا 💗 وورده 🌹 همــا العــاج والــدواء الشــافي‬
‫ألي مــرض نفســي أو غضــوي‪،‬ومــا زلــت أتعلــم‬
    ‫حتــى اليــوم وحتــى آخــر يــوم فــي هــذه الحيــاة‬
                      ‫ألهديكم قلبا صادقا ووردة 🌹‬
    ‫على شجرة العنب أن تغادر‬
‫اجتمــع الحلفــاء ذات صبــاح فــي الحديقــة الواســعة‬
‫يناقشــون أمــر حديقتهــم كمــا يزعمــون منــذ عــدة‬
‫أعــوام حينمــا ســيطرت بعض شــجرات اليقطيــن على‬
‫الحديقــة‪،‬فهــي لــم تكــن يومــا حديقتهــم‪،‬كانــت‬
‫حديقــة غنــاء تحــوى العنــب والمــوز وشــجيرات‬
‫البرتقــال‪،‬فــي بدايــة موســمها‪،‬إال أنهــم ذات يــوم‬
‫قــد قبلــوا باســتضافة شــجرة يقطيــن واحــدة ال مــأوى‬
‫لهــا ومنقولــة مــن أرضهــا ومهــددة بالفنــاء‪،‬كانــت‬
‫شــجرة المــوز أول مــن عرضــت عليهــا القــدوم بعــد‬
               ‫موافقــة باقــي الشــجيرات بالحديقــة‪.‬‬
‫وقــد اتفقــن جميعــا علــى اســتقبال شــجرة اليقطيــن‪،‬‬
‫إال أن األمــور تغيــرت فــي الســنوات األخيــرة لتصبــح‬
‫اليقطينــة الواحــدة اثنتــان وثــاث‪،‬ولــم تكــن‬
‫المشــكلة فــي تكاثــر اليقطيــن الســريع ولكــن‬
‫فــي قراراتهــا التــي تتخذهــا معاديــة لباقــي األشــجار‬
‫كانــت تتصــدى لهــا شــجرة العنــب بحكمتهــا‬
‫الشــهيرة وتدعوهــا دومــا لفــض النــزاع والعــودة الــى‬
‫الحيــاة الهادئــة‪،‬لتظــل حديقتهــم واســعة غنــاء‬
                         ‫ترحــب بالجميــع‪،‬ولكــن!‬
‫نفــوذ وســلطه شــجر اليقطيــن الــذي أصبــح يــزداد‬
‫بزيــادة إعدادهــا ورغبتهــا الشــديدة بالتحكــم فــي‬
‫الحديقــة أدى إلــى ظهــور ذلــك القــرار‪،‬وهــو رحيــل‬
‫شــجرة العنــب مــن هــذه الحديقــة‪،‬وجــدت نفســها‬


   ‫فــي هــذه اللحظــة عليهــا أن تغــادر‪.‬‬
‫ثــارت أشــجار البرتقــال والمــوز مــن أجــل شــجرة‬
‫العنــب ولكــن شــجرة العنــب أبــت أن تجعــل‬
‫الصــراع يــدب فــي الحديقــة وأعلنــت موافقتهــا‬
 ‫علــى المغــادرة‪.‬‬
‫لــم تهــدأ الحديقــة مــع هــذا القــرار وهــذا مــا دعــى‬
‫شــجر اليقطيــن لعقــد هــذا االجتمــاع الطــارئ فقــد‬
‫قــررت كل شــجرات العنــب والمــوز والبرتقــال أن‬
‫تغــادر مــع شــجرتهم الصديقــة ممــا جعــل اليقطيــن‬
  ‫يقــف وحيــدا فــي الحديقــة الخاليــة‪.‬‬
  ‫إلى صديقة‬

‫صديقتــي‪،‬بعــد خروجــك مــن العاصفــة‪،‬ممزقــة‬
‫المشــاعر منتفخــة العيــون‪،‬شــاحبة الوجــه مــن األرق‬
‫الــذي الزمــك طويــا‪،‬بعــد مــرورك بذلــك كلــه‬             ‫ً‬
‫بمفــردك وخروجــك منــه بمفــردك أيضــا‪،‬تكتشــفين‬
‫أن الجلــوس مــع نفســك والحديــث إليهــا لــم يكــن‬
‫مرعبــا بالقــدر الــذي تخيلتيــه‪،‬بالعكــس كان مفيــدا‬
‫لحــد كبيــر‪،‬للحــد الــذي جعلــك تقفيــن علــى‬
‫قدميــك مجــددا‪،‬لــن تحتــاج بعــد هــذه التجربــة إلى‬
‫أشــخاص مــن حولــك لمســاعدتك علــى الخــروج‬
‫مــن العاصفــة‪،‬علــى األقــل العاصفــة التاليــة أو قــد‬
‫تحتاجيــن أشــخاصا مــن نــوع آخــر‪.‬النــوع الداعــم‬
‫كاألصدقــاء الحقيقيــن‪،‬الذىــن هزمــوا العاصفــة‬‬‬
‫بداخلــك وانتصــرت بهــم علــى جــرح الكبريــاء‪،‬أمــا‬
‫أولئــك مدعــون الفــرح المتقربــون لــك ويريدونــك‬
‫دومــا فــي أزهــى أحوالــك هاربيــن منــك اذا مــررت‬
‫ببــؤس أو ألــم فاجعليهــم مــكان مــا أرادو ســتجدينهم‬
‫متواجديــن فــي بهجتــك دون دعوة منك‪،‬ســتجدينهم‬
‫وتعرفينهــم دون جهــد يذكــر‪،‬دعيهــم لمــا اختــاروا‬
‫ودعيــك ممــا قامــوا بــه وال تعــط ألحدهــم فرصــة‬
          ‫إلطفــاء‪ -‬ولــو ‪-‬شــمعة واحــدة بداخلــك‪.‬‬
 ‫العودة‬

‫وىف لحظــة مــا تكــون أقــرب إلــى هــذا العالــم البعيد‬
‫مــن قربــك إلــى مــا ظننــت لعمــر كامــل انــك تنتمــي‬
‫إ ليه ‪.‬‬
‫أدركــت معنــى أن يفصلــك بيــن هــذا وذاك خطــوة‬
‫واحــدة‪،‬أدركــت وشــعرت كيــف يختــار النــاس‬
‫الذهــاب إلــى هنــاك بــكل أريحيــة وبســاطه وقــد‬
‫كنــت منهــم واختــرت أن اعبــر هــذه الخطــوة الباقيــة‬
 ‫ولكــن!‬
 ‫منعني قرار أحدهم لي بالبقاء‪.‬‬
‫نعــم فــي تلــك اللحظــة يتغيــر القــدر وتعــود قبــل أن‬
  ‫يأخــذك المــدى كليــا بقــرار صــادق مــن احدهــم‪.‬‬
‫وال أعلــم إلــى اآلن كيــف حــدث ذلــك ولكــن‬
‫ابنتــي اســتطاعت أن توقفنــي عــن الذهــاب وهــى‬
  ‫ذات األربعــة عشــر ربيعــا‪.‬واآلن بعــد العــودة‪.‬‬
‫أشــعر أن الحيــاة منحتنــي يومــا أخــر جديــدا وان اهلل‬

‫وهبنــي أنفاســي مــن جديــد‪.‬‬
‫فأدركــت أن وجــودك علــى قيــد الحيــاة ليــس باألمــر‬
‫الهيــن وال التافــه بــل إنهــا منظومــة ضخمــة يقــوم‬
‫بهــا الجســم حتــى يحافــظ علــى بقائــك فــي هــذا‬
‫العالــم يومــا بعــد يــوم ولقــد حالفنــي الحــظ وعــدت‬
‫ألكتــب عــن تلــك األمســية التــي كنــت اقضيهــا‬
‫بيــن مكانيــن قريبيــن لــم أكــن أعلــم إلــى األمــس‬
‫أنهمــا بهــذا التقــارب‪.‬‬

×

اشترك الان

للاستمتاع بتجربة قراءة

بدون إعلانات