امرأة لا تخشى الوداع بقلم الكاتبة مــروة أحمـــد

نص بجامة
نعــم عزيــزي القــارئ مثلمــا قــرأت هــذه قصــة
حدثــت ل نــص بجامــة،نــص بجامــة مــش معناهــا
بيجامــة نــص كــم،ده موضــوع مختلــف تمامــا
محتــاج تقــراه بنفســك.
أختي بتكلمني الصبح:
صباح الخير،عاملين أي؟
أنا:
أهال أهال كيفك؟
أختي:
الحمد هلل،بيجامة بنتك في المكتب.
أنا:
يعنى أيه؟
أختي:
بجامة يعنى هدوم بيت.
أنا:
دى حاجــه أنــا عرفاهــا،بــاش يعنــى أيــه،ليــه طيب؟
هــل بنتــى كانــت بايتــه أو هتبــات فــي المكتب؟
أختي:
عشان أنا أخدتها معايا البيت وغسلتها ونشفت.
أنا:
اهلل.أخدتــي بنتــي غســلتيها وكمــان نشــفت،برافــو
عليكــي هــي دي اللحظــة اللــي بتفــرح أي أم.
أختي:
البجامــة..البجامــة يــا ســت الــكل هــي اللــي أخدتهــا
و نشفت
أنا:
اممــم يعنــى انتــي اســتوليتي علــى البجامــة وبعديــن
ضميــرك صحــا،طــب كنتــى قــوىل كــده مــن بــدرى.
أختــي:
ال مــش اســتوليت،دى مجــرد اســتعارة وخلصــت
وعايــزة ارجعهــا.
أنا:
طيــب دي مبــادرة كويســة،رجعتيهــا ليــه علــى
المكتــب بقــاا؟
أختي:
سؤال جميل،تحبي اسيبها في العربية مثال؟
أنا:
بمنتهى الدهشه العربية؟
أختي:
أنــا عايــزة مــكان تكــوين بتتــرددى عليــه،لــو
دخلــت دوالبــي هتبقــا ضاعــت لالبــد!
أنا:
مــكان بتــردد عليــه ده ممكــن يبقــا األوضــة
بتاعتــي،أو بتنــا،أو أوضــة أمــي.
أختي:
ال طبعا ده مستحيل،أنا عايزة مكان محايد!!
أنا:
محايــد؟ ليــه هــي بجامــة االتحــاد اإلفريقــي! وعلــى
فكــرة انتــي نســيتي تليفونــك وانــأ جيبتــه مــن البيت
وســلمته بنفســي واهلل ليكــم.
أختي:
خلينــا فــي البجامــة،أنــا غلطــت لمــا فتحــت معاكي
الموضــوع،احنــا نعملهــا أوبــن داي ويتقســم تمنهــا
علــى .3
أنا:
اييييــه؟ الااااا ..ســبيها فــي المكتــب وانــا هســتلمها..
إال البجامــة إال البجامــة !!
أختي:
أوكــي ثــم دى مــش بجامــة كاملــة دى مجــرد بلــوزة
بجامــة.
أنا:
اييييييييه!!!! قلبي .قلبي (..بصوت ميمي شكيب)
أختي:
أيه مالك؟
أنا:
سيباني ليه شغالة على الفاضى من الصبح...
نــص بجامــة ..نــص بجامــة ..طلعــت نــص بجامــة!!
بعــد مــرور شــوية ســاعات
أنا:
أنا استلمت على فكرة نص البجامة.
أختــي مبــروووووك،هيــا نــص ايــوه،بــس معطلــة
النــص الثانــي.
أنا:
ال خالــص ميــن قــال كــدة؟ أحنــا أصــا بنلبــس
البجامــة كل نــص مــع نــص بجامــة تانيــة،وإال
مكنتيــش لقتيهــا .بــس إحنــا بــردو متشــكرين واهلل.
أختــي:
ايــوة ده نــص بجامــة أتغســل وأتنشــر علــى طــول،
انتــي عارفــة ســبت الغســيل بيبقــا تــل كبيــر كــده
تفضلــي تنــزيل فــي الغميــق لحــد مــا تروحــى الغريــق
فــي ســبت أزرق،رعــب واهلل.
أنا:
مــش عايــزة انــزل فــي الغريــق فــي ســبت الغســيل
–دى حدوتــة تخــوف.
أختي:
بالظبــط،عشــان كــده أحنــا أخدنــا نــص البجامــة
قبــل مــا تغــرق.
أنا:
يــااااا منتــاااا كرييييييــم يااارب....كــون مثــل نــص
البجامــة اللــى انقــذ نفســه مــن الغــرق فــي ســبت
الغســيل
ال أريد سواك
كانــت الســاعة تشــير إلــى الخامســة إال ربــع عصــرا
حينمــا ســمع الــزوج صــوت أنيــن مكتــوم بالمطبــخ
حينهــا هــب مســرعا يتجــه إلــى المطبــخ ليجــده
ممتلــئ بأثــار دمــاء بســبب الجــرح الــذي أصــاب
زوجتــه جميلــة فــي يدهــا.دعينــي أرى،هكــذا،لقــد
جرحــت يــداك جرحــا كبيــرا يجــب أن يضمــد.فكرت
جميلــة ســرا ليــس بقــدر الجــرح الغائــر بقلبــي،ثــم
أجابــت:
أنــا..أنــا بخيــر فقــط جــرح صغيــر وأنــا أقطــع
شــرائح الخضــروات،لــم انتبــه لــه .اعتــذر عــن تلــك
الفوضــى التــي ســببتها.جــال:
سأتصل بالطبيب
جميلة:
ال عليــك سيشــفي تلقائيــا،فقــط أريــد كوبــا مــن
العصيــر فأنــا أشــعر بالــدوار،قبــل أن يصــل العصيــر
ليدهــا كانــت علــى األرض مغشــيا عليهــا.جــال
فــي فــزع شــديد:
الــو أرجــوك يــا دكتــور أحضــر حــاال.الطبيــب:
ســأكون فــي العنــوان خــال دقائــق.بعــد مــرور ربــع
ســاعة
الطبيب:
هــذا المحلــول سيســاعدها علــى ارتفــاع الضغــط،
فقــد أصيبــت بهبــوط شــديد فلجــأ الجســم لوضــع
األغمــاء فــي محاولــة الســتعادة انتظــام الــدورة
الدمويــة..ستتحســن خــال الســاعات القادمــة
وســأعود لرؤيتهــا فــي الصبــاح.جــال:
شكرا يا دكتور .مع السالمة.
بينمــا يــودع جــال الطبيــب بذهــن منشــغل مــا الذي
تســبب لهــا فــي مــا حــدث تســتوقفه قصــة علــى
شاشــة جهازهــا الصغيــر بعنــوان (صمــت األنيــن)
كانــت تســجلها قبــل أن تتوجــه إلــى المطبخ مشــغولة
الذهــن،مثقلــة القلب،يشــده العنــوان فيجلــس ليقرأ
بعــض األســطر ببعــض الفضــول ولــم يتخيــل أنهــا
تشــير إليــه بيــن الســطور_.أحتــل األلــم قلــب تلــك
الفتــاة فــي تلــك اللحظــة وهــو يمازحهــا،شــعرت بهذا
األلــم يســرى فــي جســدها كامــا وكأن أحدهــم قــام
بغلــق منافــذ األوكســجين،كانــت تســتقبل الكلمــات
مثــل طلقــات ناريــة تختــرق العظــم،كيــف لكلمــات
أن تثقــب قلبــا؟ تــردد بداخلهــا أه لــو تعلــم مــا أشــعر
بــه فقــط لرســم تلــك االبتســامة الزائفــة علــى وجهى
!! لــم تســتطع أن تسترســل فــي هــذه التمثيليــة لتبــدو
واثقــة ويســتمر هــذا المــزاح علــى حســاب جرحهــا
الغائــر،ذلــك الجــرح الــذي حــدث منــذ ســنوات ولــم
يلتئــم بعــد،برغــم كل محاوالتهــا،عــادت بالذاكــرة
إلــى تلــك اللحظــة القديمــة حينمــا كان يحدثهــا
خطيبهــا الســابق عــن الفتيــات الالتــي يعرفهــن
ومــدى أعجابهــن بــه،كان مزاحــه دائمــا ثقيــا بهــذا
الشــكل،واكنــت تدعــى الثقــة والــا مبــاالة بالرغــم
مــن أن قلبهــا كان يعتصــر مــن الداخــل،إلــى أن
ســألها يومــا مــاذا ســتفعلين أذا أخبرتــك أننــي
أحــب ســواك؟ حينهــا أجابــت بألــم لــن أفعــل شــيئا
ســوى ..أننــي ســأغادر،فهــي تعلــم أنهــا ال تجيــد فــن
األســتجداء الــذي تتقنــه فتيــات هــذه األيــام،كان
ينبغــى أن تقــول ســأهد الدنيــا فــوق رأســيكما،حتــى
وأن كانــت لــن تفعــل،ولكنهــا لــم تقــل..
حينمــا علمــت بعــد ذلــك أن مــا قالــه حقيقــي لــم
تفعــل ســوى ما قالتــه،وغــادرت عالمــه بالفعــل.كان
جــال يقــرأ باهتمــام شــديد بــل ويشــعر بذلــك األلــم
الــذي أعتصــر قلبهــا ولكــن مــا قــرأه فــي الســطور
ًالتاليــة هــو مــا أدهشــه فعــا.
_ اآلن أشــعر بنفــس األلــم مــن جديــد،اآلن فقــط
أعتــرف أننــي معقــده .نعــم يبــدو أننــي أنثــي معقــدة
أخــاف علــى قلبــي حــد الرعــب،أنثــى تقضــى
ايامهــا تطمئــن هــذا القــب،ال تخــش يــا صديقــي
فنحــن اآلن بخيــر،لــن يتركنــا هــذه المــرة،ال تخــش
علــى مكانتــك اقســم لــك أنــك ال ينازعــك عليهــا
أحــدا ! يوميــا تعيــد علــى قلبهــا تلــك الكلمــات،ثــم
تســتدرج إلــى هــذا الحــوار فــي كل مــرة علهــا تســمع
مــا يهــدئ مــن قلبهــا المضطــرب وتعــود لنفســها
مــن جديــد بنفــس النتيجــة وباتفــاق أخيــر أنهــا
لــن تســتدرج لمثــل هــذا النــوع مــن الهــزل .إلــى أن
وصلــت فــي هــذه اللحظــة أنهــا لــم تعــد تســتطيع أن
تفصــل بيــن الجــد والهــزل،تــدور بعقلهــا مفــردات
تلــك الجملــة مــرة بعــد مــرة وهــو يقــول أنــه ســيظل
محتفظــا بهــذا الجــزء من شــخصيته (الحبــوب) حتى
وأن لــم يظهــر لهــا أو ال تعلــم !! أي شــخص الــذي
يتحمــل ذلــك؟ وأى مقابــل هــذا الــذي يجعلهــا تقبل
أن يعجــب بأخريــات ويالطفهــن بعلمهــا أو بــدون؟؟
ألــم يغيــر الزمــن شــيئا بعــد كل هــذه الســنوات؟
بالرغــم أنهــا تــرى حبــه لهــا وحنــان قلبــه وكرمــه
معهــا،ولكــن ..حيــن تصطــدم بتلــك الجمــل ال
يمكنهــا التمييــز بيــن الهــزل والجــد،القــرارات
والمشاكســات،كانــت عيون جــال ممتلئــة بالدموع
وهــو يتابــع كل حــرف ممــا ســجلته جميلــة بينمــا
يحبــس أنفاســه وهــو يتابــع الكلمــات القادمــة وقلبــه
ممتلــئ بالرغبــة الصادقــة فــي احتواءهــا واالعتــذار
لهــا،فــي هــذه اللحظــة أن كان مــا ســمعته حقيقيــا
فســأغادر بهــدوء،فقــد ســئمت التنمــر علــى قلبــي
المتعــب .فــي الكــون متســعا لنــا،وهنــاك الكثيــرات
غيــري ممــن يتحملــن ذلــك المــزاح البغيــض بصــدر
رحــب.
شــرد جــال بعــد قراءتــه قرارهــا األخيــر وأدرك أن
هــذه هــي الحالــه التــي ذهبــت بهــا إلــى المطبــخ
قبــل أن تجــرح يديهــا وهــي شــاردة أو مأخــوذة كليــا
فــي عالــم مــن أمــواج األفــكار المتالطمــة فــي رأســها
المشــوش وقلبهــا المتعــب.أنــا الســبب،هكــذا نطــق
بهــا جــال مؤنبــا نفســه،ذهــب ليلقــي نظــرة عليهــا
ووجدهــا مــا زلـ ِ
ـت فــي نومهــا العميــق،وقــد أوشــك
المحلــول علــى نهايتــه،جلــس بجوارهــا يفكــر:
_تعتــذر هــي عــن جــرح يدهــا والفوضــى التي ســببتها
فــي المطبــخ،فمــاذا عــن جرحــى أنــا لهــا؟ أنــا مــن
جرحهــا بســهام كلماتــه وهــو يمــزح وأتيــت ألوقــظ
هــذا الجــرح مــن جديــد،برغــم أنهــا ذكــرت مــرارا
أنهــا ال تفضــل هــذا المــزاح.اقتــرب منهــا يتفحــص
النبــض ودرجــة الحــرارة،يبحــث عــن أي أشــارة
لعــودة وعيهــا حتــى يعتــذر لهــا عمــا بــدر منــه،فهــو
حتــى وان لــم يخنهــا فعليــا فقــد فعلهــا لفظيــا،حينما
أســتفز قلبهــا ومشــاعرها بهــذه الممازحــات الثقيلــة
عليهــا،كانــت جميلــة تحــاول فــي تلــك اللحظــة أن
تفتــح عينيهــا بصعوبــة،أمســك يدهــا وقبلهــا هامســا
فــي أذنيهــا:أنــا بجــوارك يــا جميلتــى..كمــا كانــت
تحــب ان يناديهــا،ثــم أكمــل:
_أســف لقــد كنــت الســبب فــي كل مــا مــررت بــه
اآلن،كان مزاحــا ثقيــا وأعــدك أننــي لــن أكــرره،
أطمئنــى فأنــا ال أري فــي الدنيــا غيــرك،وعــذرا ألنهــا
جــاءت كاعتــراف متأخــر ولكننــي ظننــت أنــك
تعلميــن ذلــك،أنــا حقــا ال أريــد ســواك.
قطة قصيرة
كانــت نانســي الفتــاة ذات الســتة عشــر ربيعــا تســير
متدثــرة بمعطفهــا يلفــح البــرد وجههــا وحبيبــات
المطــر بــدأت تتســاقط علــى شــعرها ونظارتهــا،
كانــت تفكــر هــل سيســعفها الوقــت لتصــل إلــى
منزلهــا قبــل انهمــار المطر ام تحاول أســتقالل ســيارة
أجــرة لنقلهــا ســريعا هــذه المســافة القصيــرة،حينمــا
اصطدمــت قدماهــا بشــيء هالمــي توقفــت لتنظــر
مــاذا قــد أصــاب حذائهــا فــي تلــك اللحظــة غيــر
المناســبة علــى اإلطــاق لتجــد عينيــن رماديتيــن
متشــبثتان بهــا،نظــرت نانســي ولــم تســتطع أن ترفــع
عينيهــا عــن نظــرات هــذا الكائــن الصغيــر وبــدون
مقاومــة اقتربــت منهــا وأخرجــت مــن حقيبتهــا
منديــا وأمســكت بهــذا الشــيء المصنــوع مــن
الفــرو ظلــت تتأملهــا للحظــة وهــى ال تــدرى مــاذا
ســتفعل بهــا،شــعرت بهــذا الكائــن يرتجــف بيــن
أصابعهــا مــن البــرودة ولكنهــا تحــرك رأســها علــى
معطــف نانســي باطمئنــان،اتخــذت نانســي قرارهــا
باصطحــاب ذلــك الكائــن الصغيــر إلــى المنــزل،
كانــت تعلــم أنهــا ســتقابل رفضــا شــديدا مــن قبــل
والديهــا،ألنهمــا يخافــان عليهــا بشــده فهــي أبنتهمــا
الوحيــدة،األمــر الــذي جعلهــم يقيدونهــا فــي أمــور
كثيــرة،مثــل أن يكــون لديهــا الحريــة فــي أختيــار
أصدقــاء وتكويــن صداقــات،ذلــك األمــر الــذي لــم
ينجــح حتــى اآلن رغــم محاوالتهــا الكثيــرة ولكنهــا
تنتهــي بالفشــل دائمــا بســبب تدخــات والدهــا
ووالدتهــا .ولكنهــا قــررت أخيــرا أن تمنــح هــذا
الكائــن الصغيــر فرصــة،وضعــت خطــة لدخولهــا
المنــزل تعتمــد علــى االتجــاه بهــدوء إلــى غرفتهــا
مباشــرة،ثــم حينمــا يأتــي الصبــاح ســتذهب بهــا
إلــى الطبيــب البيطــري حتــى يفحصهــا ويعطيهــا
التطعيمــات الالزمــة،اآلن عليهــا أن تتحــرك ســريعا
مــن هــذا المــكان،فقطــرات المــاء أصبحــت أســرع
وبحجــم أكبــر،طلبــت مــن صديقتهــا الصغيــرة إال
تصــدر صوتــا،وبشــكل مــا فهمتهــا واســتجابت لهــا،
وضعتهــا نانســي فــي جيــب معطفهــا وبــدأت تســرع
خطواتهــا ثــم قامــت بالوثــب هــذه المســافة بجــوار
أصــوات وأضــواء الســيارات ..كانــت تشــعر بالبهجــة
الول مــرة واكنــت تعلــم أن هــذه المنحــة بســبب هــذا
المخلــوق الصغيــر.
الدخول
كانــت أبــواب المنــزل موصــده ولكنهــا اســتعملت
المفتــاح،واكن هنــاك ضــؤا خافتــا فــي الردهــة،
فهــذا هــو وقــت راحــة والدهــا،وهــو وقــت ممارســة
والدتهــا لشــغفها فــي صنــع الحلــوى والمخبــوزات،
مامــا اآلن فــي المطبــخ،هــذا جيــد،هكــذا حدثــت
نفســها،يمكننــا يــا صغيــرىت أن نعبــر للداخــل
بأمــان،ولكــن قبــل أن تنهــى كلماتهــا !! تســللت
رائحة(الكيــك) المخبــوز إلــى ذلــك األنــف الصغيــر
الجائــع،فأصــدرت مــواء تطلــب مــن ذلــك الطعــام
الشــهى،أرتبكــت نانســي واســتطاعت ان تهــدئ
مــن قطتهــا بكلمــات وحــراكت مبهمــة،ولكــن
كانــت قــد خرجــت والدتهــا مــن المطبــخ ترحــب بهــا
وتســألها كيــف كان طريــق عودتهــا فــي هــذا الجــو
البــارد،حاولــت نانســي جاهــده أن تبــدو هادئــة
قائلــة:أنــا ..أنــا بخيــر تمامــا يــا مامــا،تنظــر حولهــا
متســائله:هــل مــازال أبــي نائمــا؟
أجابت األم:
تعلميــن أن والــدك يســتيقظ علــى رائحــة المخبوزات
اللذيــذة وهــى لــم تخــرج مــن الفــرن بعــد.كادت
نانســي أن تســمع صــوت الكائــن الصغيــر مــرة أخــرى،
فمــرت ســريعا أمــام والدتهــا قائلــة:عــذرا أمــي لقــد
أبتــل معطفــي بســبب المطــر وأريــد أن ادخــل غرفتي
ألغيــر مالبســي حــاال.
أجابــت األم:حســنا حبيبتــي ولكــن ال تتأخــري
علــى موعــد الكيــك،ســأمنحك نصــف ســاعة فقــط.
نانسي:
أشــكرك يــا أمــي.دخلــت نانســي غرفتهــا وأغلقــت
البــاب بإحــكام ثــم اســتردت أنفاســها،ظلــت
لدقيقتيــن تتنفــس بعمــق،أخرجــت صديقتهــا
الصغيــرة وبــدأت بتمشــيط شــعرها القصيــر وتنظيفها
وتجفيفهــا،كانــت تندهــش مــن قصــر ذيلهــا وقصــر
أقدامهــا وصغــر كل شــيء بهــا إال العينيــن الرماديتين
الواســعتين،نظــرت لهــا نانســي بابتســامة رضــا ثــم
بــدأت تحدثهــا
نانسي:
اســمعي يــااا...حســنا ســأختار لــك اســما الحقــا،
لكــن المهــم اآلن أن تعــريف أننــا علــى وشــك أن
نمــر بمــأزق أال أذا تعاونــت معــى.حســنا أعلــم أنــك
تتســائلين عــن كيفيــة هــذا التعــاون،وأنــا ســأخبرك
أوال:ال تخرجــي مــن هــذه الغرفة بمفــردك،ال تخرجي
إال أذا اصطحبتــك معــى.ثانيــا:ال تصــدري أصواتــا
مــن اجــل الطعــام كمــا فعلتــي منــذ قليــل،نعــم اعلم
انــك جائعــة وســأحضر لــك الطعــام إلــى غرفتــى.
ًوســأخذك معــى أيضــا إلــى بيــت الراحــة ولكــن
ال تخرجــى بمفــردك .وأى خــرق لهــذه القوانيــن ال
اضمــن لــك البقــاء بعــده.نعــم البقــاء ســيكون مؤقتــا ً
أيضــا،إلــى ان ابحــث لــك عــن بيــت أخــر تعيشــين
فيــه بحريــة،فانــت صغيــرة علــى ان تقضــى عمــرك
فــي هــذه القيــود.حســنا ابــق هنــا وســأذهب اآلن
ألحضــر لــك بعضــا مــن الكيــك اللذيــذ ..ششــش ال
ًتنســي التزمــي الهــدوء،ســأعود حــاال
على مائدة الطعام
قالــت األم:هيــا يــا نانســي اقتــريب لتحصلــي علــى
طبقــك،كــدت أحضــر ألــى غرفتــك ألناديــك،لقــد
مــرت أكثــر مــن النصــف ســاعة المتفــق عليهــا،
نانســي تنفســت بعمــق وهــى تحمــد اهلل ســرا أن هــذا
الســيناريو لــم يحــدث،ثــم أجابــت:
_أشــكرك يــا أمــي ال ترهقيــن نفســك،كنــت فقــط
أجفــف مالبســي ليــس أكثــر .نانســي داخليا لنفســها
(سينكشــف قريبــا كل هــذا الكــذب) علــي أن أجــد
طريقــة إلقناعهــم بوجــود ذلــك الكائــن الصغيــر،
اســتمرت نانســي فــي شــرودها حتــى أفاقــت علــى
صــوت والدهــا وهــو يســألها _:كيــف ســارت دروســك
اخبرينــي ولمــاذا لــم تتصلــي ألحضــرك إلــى المنــزل
حيــن ســاء الجــو؟
أجابــت نانســي_:كان يومــي جيــدا منــذ الصبــاح،
وصراحــة كنــت أســتمتع بذلــك المطــر الخفيــف واا..
ســرحت قليــا حينمــا تذكــرت أنهــا ربمــا أذا اتصلــت
بوالدهــا أو ركبــت ســيارة األجــرة لــم تكــن لتقابــل
تلــك الصديقــة الجديــدة،ابتلعــت قضمة مــن الكيك،
ثــم تابعــت حديثهــا ببعــض الهــدوء المصطنــع،لــم
أكــن أعلــم يــا أبــي أن الجــو ســيتغير،ولكننــي بخيــر
كمــا تــرى،شــكرا علــى رعايتــك واهتمامــك.األب:
أتشــكريني علــى واجبــي؟ أنــت زهــرة القلــب يــا
نانســي وأخــش أن يصيبــك أى مكــروه.كانــت تســمع
تلــك الكلمــات التــي تتمناهــا أى فتــاة مــن والدهــا،
ولكــن أكثــر مــا كان يحزنهــا أن تلــك الكلمــات
ارتبطــت دومــا برفــض طلــب أو إلغــاء شــيئا تحبــه،
اآلن هــو ال يعلــم بأمــر قطتهــا ولكماتــه ال تحمــل هــذا
الرفــض،تراجعــت عــن أن تفاتحــه فــي أمــر قطتهــا
حتــى ال تفســد تلــك اللحظــة،أشــفقت عليــه مــن
القلــق والخــوف الــذي حملــه لنفســه منــذ ســتة
عشــر عامــا أو أكثــر عنــد مولدهــا،وشــعرت باأللــم
ألن هــذا الخــوف منعهــا مــن الشــعور بالحريــة،
ولكــن علــى أى حــال منحهــا أســرة محبــة،واآلن
لديهــا صديقــة،وهــذا بعــض مــا تحتاجــه اآلن ولكنــه
يكفــي،أنهــت قطعــة الكيــك وأخــذت مــا تحتاجــه
صديقتهــا (كريمــة) هكــذا أطلقــت عليهــا،وتوجهت
إلــى الغرفــة قائلــة_:شــكرا يــا أمــي.دخلــت نانســي
غرفتهــا موجهــه حديثهــا لكريمــه_:هيــا تعالــى لقــد
أحضــرت لــك طعامــك،ذلــك الــذي كــدت تفتضحي
أمرنــا حينمــا شــممته،يجــب أال تتــرك مخلفاتــك
علــى األرض وأال...ال ال أريــد أن أتخيــل هــذا علــي
أى حــال،كتمــت نانســي ضحكتهــا وهــى تــرى قطتها
تلتهــم كل الكيــك بمنتهــى الســرعة والشــهية،وحيــن
أنهــت طعامهــا قفــزت علــى يــد نانســي وتكــورت
بشــكل صغيــر ككــورة مــن الفــرو ثــم نامــت.مــا
هــذا؟ كائــن صغيــر يعتمــد عليهــا ويثــق بهــا وهــى
(تكــذب وتحتــال ) لتحافــظ عليــه،ألول مــرة
يكــون لديهــا ســرا تخفيــه عــن أســرتها،ولكنهــا
ذكــرت نفســها أنهــا كذبــة لمــدة 24ســاعه فقــط،
حتــى تذهــب بهــا للطبيــب وتطمئــن علــي ســامتها
وذلــك لســامتهم جميعــا.
المواجهة
أســتيقظت نانســي صباحــا مبكــرة حتــى تتمكن من
أخــذ كريمــة للطبيــب البيطــرى،أرتــدت مالبســها
مســرعة وعقــدت شــعرها بتوكــه إلــى األعلــى
وارتــدت نظارتهــا،ثــم بــدأت تبحــث عــن كريمــة في
كل أنحــاء الغرفــة وتهمــس بصــوت منخفــض كريمــة
هيــا،أيــن أنــت؟ كريمــة ..بــس بس بــس ..هيــا أظهرى
يجــب أن نتحــرك اآلن.وبينمــا هــي كذلــك فتــح بــاب
غرفتهــا،وســمعت صــوت أبيهــا يســألها:
_ عماذا تبحثين يا نانسي؟
_ أجابــت نانســي دون أن تســتدير،أبحــث عــن شــيء
ســقط منــى وأنــا أهــم بالنــزول.
األب:
هــل تقصديــن هــذا الكائــن وىف نفــس اللحظــة
ســمعت مــواءا لكريمــه،اســتدارت نانســي تواجــه
ابيهــا وهــى تشــعر أن قدميهــا غيــر قادرتــان علــى
حملهــا وتتمنــى أن يكــون كل ذلــك حلمــا بســبب
توترهــا،بادرهــا والدهــا قائــا:
_ هــل كنــت تتوقعيــن أن رجفتــك ولعثمتــك فــي
الــكالم وذهابــك الســريع لغرفتــك أن يمــر علــى دون
أن أدرى،لقــد أنتظرتــك ليلــة كاملــة لكــى تأتــى
وتخبرينــي بحقيقــة هــذا المــواء المكتــوم المنبعــث
مــن غرفتــك،تكذبيــن يــا نانســي وتكســري ثقتــي
بــك؟ عقابــا لــك ســيذهب هــذا الكائــن لحال ســبيله
اآلن،فتــح األب بــاب الشــقة وأخــرج كريمــه تــاراك
إياهــا علــى الســلم وأغلــق البــاب بهــدوء .نانســي
تصيــح وهــى تحــاول فتــح البــاب:كالاا ال تجعلهــا
تغــادر،أنــا لــن أســمح بذلــك ..أنــا لــم أكســر ثقتــك،
أنتــم مــن لــم يثــق بــي مــن األســاس،دائمــا ال تفعلــي
ذلــك،ال تقــويل ال تختــاري أتــرك لنــا هــذه المهمــة
كل شــيء ســيؤذيك،حتــى فــي المــرة الوحيــدة
الــذي وجــدت كائــن صغيــر يســليني كشــفت أمــره
ًوأخرجتــه بــا شــفقة.األب:ألنــه أيضــا يمكــن أن
يؤذيــك.
نانسي:
ال أعلــم كيــف لكائــن كهــذا أن يؤذينــى؟ وكيــف
تــرى ذلــك وال تــرى أن كســر قلبــي مــرة بعــد مــرة
ال يؤذينــى،لــم أخبركــم أمــس بأمــر تلــك القطــة
ألنــى كنــت أعتــزم علــى أخذهــا لزيــارة الطبيــب
البيطــرى حتــى أتأكــد مــن ســامتها وذلــك يعنــى
ســامتنا أيضــا،وكمــا تــرى تحملــت مســؤوليتها
الصغيــرة وأطعمتهــا مــن طعامــي واســتيقظت مبكــرة
وارتديــت مالبســي وأخــذت قيمــة الكشــف الطبــي
مــن مصــرويف ولكنــك أفســدت علــى كل شــيء!!
وفقدتهــا.
أكملــت نانســي بعــزم جديــد:ســأنزل وأبحــث عنهــا
وأعلــم أننــي ســأجدها أعلــم أنهــا لــن تغادر مــن دوىن
فقــد أتفقــت معهــا علــى ذلــك منــذ أمــس،ســأجدها
وأذهــب بهــا إلــى الطبيــب وأمــا أن نعــود معــا أو ال
نعــود نحــن االثنتيــن:
األب:
ما الذي تقولينه؟
نانسي:
كمــا ســمعتما يــا أبــي،ســأذهب للحيــاة مــع جدتــي
وأحتفــظ بصديقتــي وستخســراني لألبــد،لقــد
تحملــت مــا يكفينــي.
غــادرت نانســي المنــزل ولــم تهتــم لغلــق البــاب
خلفهــا فــكل مــا كان يهمهــا هــو العثــور علــى
كريمــه،كانــت تنتحــب وتنــادى علــى كريمــه،
أرجــوك يــا كريمــة ال تغــادري وتتركينــي يــا رب
اجعلنــي أجدهــا وبينمــا هــي مــا زالــت تبحــث
تتعثــر قدماهــا فــي ذلــك الجســم الهالمــي مــرة
أخــرى،تضحــك مــن خــال دموعهــا وتحتضنهــا
بشــدة،كريمــة كنــت أعــرف أنــك تنتظرينــي ماهــذا
الخيــط الــذي تلفينــه علــى جســدك،لقــد كنــت
تســلين وقتــك باللعــب بينمــا أنــا أبكــى لفراقــك،
حســنا ال بــاس،دعينــي أرى كيــف اخلصــك منــه،
فقــد تأخرنــا علــى الكشــف الطبــي،وجــدت نانســي
ورقــة صغيــرة ملفوفــة بهــذا الخيــط،فتحتهــا وقــرأت
تلــك الكلمــات بخــط أبيهــا_:
أنــا أعلــم أنــك ســتتبعينها ولذلــك ربــط هــذا الخيط
وتركــت لك هــذه الرســالة..
حافظــي عليهــا يــا بنيتــي..لقــد ســهرت ليلــة كاملــة
أفكــر حتــى اتخــذت هــذا القــرار ..كنــت أريــد أن
أتأكــد أنــك تريدينهــا.
كنــت أريــدك أن تعبــري عمــا بداخلــك،لقــد شــعرت
منــذ فتــرة يــا ابنتــي أننــي أخطــأت بقلقــي عليــك
وخشــيت عليــك مــن الوحــدة التــي استســلمت لهــا،
شــكرا لكريمــة التــي أيقظــت الشــغف بداخلــك
وجعلتــك تثــوري مــن أجلهــا،هــذا الكائــن صغيــر
الجســم قصيــر الشــعر واألقــدام رماديــة العينيــن،
أهــا بهــا فــي منزلنــا.
طاقية اإلخفاء
طاقية اإلخفاء
فيرس قلة التقدير
إنسان عادي:ماذا؟
اليــف كوتــش مــن بتــوع اليوميــن دول:اه واهلل زى
مابقولــك كــده
إنسان وده بقا عبارة عن أيه؟
ل.ك:
أنــا أقولــك شــوف يــا ســيدي ده اعراضــه انــك تبقــا
مــش بايــن،ابســطهالك شــوية،يعنــى تبقا تبقــا البس
طاقيــة اإلخفــاء.إنســان ال يــا شــيخ ..أي الجمــال ده
ل.ك:
هــو انــت مــش بتبقــا البســها،بــس بالنســبة للــى
حواليــك بتبقــا كأنــك البســها.
إنسان:اهلل..يا سالااام
ل.ك:
ال حضرتــك دى حاجــة مــش حلــوة،احنــا هنــا فــي
الحقيقــة مــش الفيلــم.إنســان:ليه بقــا حاجــه مــش
حلــوة،فهمنــى بســرعة اهلل يخليــك.ل.ك:افهمــك
.دى حاجــه مــش حلــوة الن اللــى حواليــك دايمــا
بينســوك،بينســوا مواصفــات الحاجــه اللــى بتحبهــا
واللــى بتدايقــك وممكــن جــدا ينســوا يعملــوا
حســابك أو مــش عامليــن حســابهم انــك معاهــم،
انــت بالنســبة لهــم مخفــى،فــي الوقــت اللــى انــت
بتبقــا عامــل حســابك عليهــم،.وطبعــا هتســالنى
ودى بقــا حلهــا أي يــا كوتــش؟
إنسان:
ايوة أنا لسا كنت هسالك فعال
ل.ك:
ماشــي وانــا هجاوبــك واقولــك دى مــش حلهــا انــك
تتطلــب اكتــر مــن مــرة وال حتــى تعلــى صوتــك
شــوية وااا..ســامعك،وال بــردو انــك تعاملهــم كويــس
..مفيــش مانــع طبعــا انــك تتعامــل مــع كل النــاس
كويــس لكــن مــش هــو ده عــاج فيــرس قلــة
التقديــر
إنسان:
طب والفيروس ده معدي يا كوتش؟
ل.ك:
واهلل هــو مظهــرش انــه معــدي إلــى اآلن بس األحســن
انــه ميبقــاش موجــود إنســان:عليك نــور يــا كوتــش،
طــب ويــروح ازاى بقــا؟
ل.ك:الحــل ببســاطه اننــا (نحــرر) قلــة التقديــر،اي
ده أنــا قلــت نحــرر؟
إنسان:
اه قلت نحرر.
ل.ك:
واضــح ان التغييــر بقــا بيجــرى فــي كالمــى ببســاطه
نحــرر يعنــى نمســح أي فكــرة فــي عقلنــا بتقــول ان
النــاس مــش بتقــدرين..
إنسان:
ااه يعنــى نشــيل طاقيــة االخفــاء اللــى جــوا دماغنــا.
ل.ك:بالظبــط..نشــيلها أو حتــى نبيعهــا أو نرميهــا،
المهــم انهــا تبقــي مــش موجــوده.إنســان:دى حاجــة
جميلــة،بــس ازاى؟ل.ك:
أوال نعترف إننا جوانا قلة تقدير،تمام كدة؟
إنسان:
زى الفل،وثانيا؟ل.ك:
نتنفــس بعمــق 3مــرات بنيــة ان قلــة التقديــر اللــي
منعانــي مــن إن النــاس تقــدرين تخلــص،وممكــن
امشــي مســافة معينــة بنفــس النيــة،وأخــر حاجــه
اســأل نفســي:
أيــه الحاجــة أو الحاجــات اللــي جوايــا اللــي تســتحق
التقديــر،وأكتبهــم واألحــط وهمــا بيزيــدو كل يــوم
وأحفظهــم.
إنسان:
واهلل يــا أســتاذ انــت قعدتــك مايتشــبعش منهــا،
أنــا حاســس إنــي قاعــد مــع األســتاذ أميــن بتــاع
البالتــون.
ل.ك:
قصدك احمد امين بتاع حلقات البالتوه؟إنسان:
ايوة تمااام
ل.ك:
مهــو األســتاذ احمــد فعــا متفــق معانــا ياخــد مننــا
كام حلقــة.
إنسان:
ياااه،دى حاجة جميلة،أمتى بقا؟ل.ك:
لما نقلع طاقية األخفاء
أمرأة ال تخش الوداع
كنــت قديمــا أتــردد كثيــرا علــى بيــت جدتــي أثنــاء
طفولتــي وبدايــة صبايــا،كنــت أجــده دائمــا ممتلــئ
بالقادميــن والمغادريــن وكنــت أجدهــا مرحبــة دائمــا
بالجميــع،انطبعــت عنهــا فــي ذاكــريت تلــك الصــورة
أنهــا ســيدة ال تخشــي الــوداع،كنــت أتســائل كيــف
تتركهــم يذهبــون هكــذا بــا وداع،وىف أحــدى المرات
ســألتها:
أال تفتقديهــم عنــد المغــادرة؟ لمــاذا تدعيهــم
اســتطعت أن تكــوين كذلــك؟
يذهبــون؟ وكيــف
ابتســمت أبتســامه ال زلــت أذكرهــا،نصفهــا أعجــاب
بالســؤال مــن فتــاه صغيــرة لــم تختبــر فــي الحيــاة أال
القليــل،لتــرى األمــور بمظهرهــا الخارجــي متناقضــا
لمــا تشــعر بــه،ونصــف االبتســامة األخــر هــو ذلــك
الحنيــن الــذي تحملــه لؤلئــك المغادريــن والعائديــن
علــى حــد ســواء.
ثم أجابت بهدوء:
زلــت صغيــرة يــا ابنتــي كــي تعــريف أن العمــر
مــا
لحظــات،وأن هــذه اللحظــات هــي ميراثنــا الحقيقــي
ممــن كانــوا معنــا وهــى حقــا مــا ســيتبقى منــا حينما
نغــادر هــذا العالــم.وأود ان اتــرك لحظاتــي لــكل مــن
يتذكــرين كلحظــات مليئــة بالترحــاب،نعــم يــا ابنتــي
اشــتاق مثلكــم وىف عمــري هــذا ربمــا أكثــر ولكــن
أذا عطلتهــم عــن المغــادرة ســيتثاقلون فــي الحضــور
القــادم وأنــا يــا طفلتــي حقــا اشــتاق لتلــك الزيــارات
التــي تنبــع مــن أختيارهــم الحــر لهــذا المنــزل وأفعل
معهــم كمــا أفعــل معكــم،هــل يمكــن ألحدهــم أن
يمنعكــم عــن ذهابكــم لدروســكم أو خروجكــم
ًمــع األصــداء؟ الكبــار كالصغــار أيضــا ال يريــدون
قيــدت أحدهــم حتــى وأن كان بدافــع
القيــود وإذا
الحــب ذهــب دون عــودة،ويكفينــي أننــي أرى فــي
أعينهــم مــاال يقــال بالكلمــات.
-اخبريني يا جدتي ماذا تقول لكى أعينهم؟
-أن أعينهــم تفيــض يــا بنيتــي بالكلمــات مــا بيــن
اشــتقنا لــك ولهــذا المنــزل ولطعامــك وحكاياتــك
وذلــك عنــد عودتهــم.
-وماذا تقول لك أعينهم عند المغادرة؟؟
-تقــول سنشــتاق كثيــرا لتلــك اللحظــات الدافئــة
وســنعود ســريعا قــدر المســتطاع،تقــول أعينهــم
ســتبقين بالقلــب حتــى لــو ابتعــدت المســافات،
وحقــا تلــك الوعــود هــي التــي تســمح لــي أن ادعهــم
يغــادرون وأنــا أودعهــم بتلــك االبتســامة.صــدى
كلماتهــا وتلــك االبتســامة مــا زالــت عالقــة فــي
ذهنــي حتــى تلــك اللحظــة،ولكنــك يــا جدتــي لــم
تعــريف أننــي كبــرت كثيــرا اآلن وأدركــت مــاذا تعنــى
تلــك اللحظــات،أدركــت أننا فقــط لحظــات،لحظات
أمــل لحظــات لقــاء لحظــات الــم لحظــات اشــتياق
لحظــات حــب لحظــات صمــت بهــا اكثــر الكلمــات
حاجــة أن تقــال،ولحظــات حيــرة،لحظــات ســعادة.
أدركــت يــا جدتــي أن نهايــات القصــص توجــد
فــي الحكايــات فقــط،وأن قصصنــا نهايتهــا دائمــا
مفتوحــة علــى بدايــة أخــرى فــي مــكان أخــر،ونحن
فقــط مــن نقيــد أنفســنا فــي ســيناريو واحــد ال نــرى
البــراح فــي ســواه،أدركــت يــا جدتــي أننــا نخشــي
القيــود تمامــا كمــا قلتــى ومــع ذلــك نقيــد أنفســنا
بمــا شــعرنا أنــه ســيمنحنا الحريــة يومــا مــا،كنــت
أتمنــى وجــودك يــا جدتــي معــى فــي هــذه األيــام
حتــى أحكــي لــك عمــا وصلــت إليــه وأســألك مــاذا
أفعــل فــي كل مــا أمــر بــه مــن لحظــات؟ نعــم يــا
جدتــي أشــعر بذلــك الشــوق الــذي ال يهــدأ،اشــعر
ًأيضــا بالخــوف،والرفــض أحيانــا،اشــعر بالغضــب
والحــب،أشــعر بمزيــج مــن المشــاعر للكثيــر مــن
ًاللحظــات،ال أعلــم أيضــا أيــن تذهــب قــوة قلبــي؟،
هــل كبــرت يــا جدتــي إلــى هــذه الدرجــة؟ لمــاذا
قلبــي يتأثــر بــكل شــيء؟ اخبرينــي يــا جدتــي لماذا
يتأثــر قلبــي بــكل شــيء؟ لمــاذا أرى خيوطــا بيضــاء
تلــون أجــزاء مــن شــعرى؟ تمنيــت فــي هــذه اللحظــة
يــا جدتــي أننــي كنــت ســألتك كثيــرا عــن كل شــيء
اختبرتــه بالحيــاة ..يــا ليتنــي ســألتك يــا جدتــي عــن كل لحظــات العمــر.
تشابك الطرقات
أنــا أيضــا اســتوقفني العنــوان مثلكــم تمامــا،
ولكــن تختلــف هــذه القصــة مــن حيــث موقــع هــذه
الشــوارع وماهيــة تلــك الطرقــات..
ًكانــت الســماء تميــل إلــى الغيــوم ظهــرا فــي أحــد
أيــام نوفمبــر الهادئــة حيــن طلبــت والدتــى أن
انتبــه لــدورة الغســيل األخيــرة حتــى يتســنى لهــا
أن تنجــز المهــام التــي تقــوم بهــا وتتمكــن مــن
(نشــر) الغســيل قبــل ان يتغيــر الجــو،فــي هــذه
اللحظــة حينمــا توجهــت إلــى الغســالة كانــت فــي
مرحلــة عصــر المالبــس،نظــرت بداخلهــا فرأيتهــا
تبــدو أنهــا مقســمة إلــى طرقــات وســراديب داخليــة،
ســرحت قليــا بنطــري إلــى أن اســتوقفني ذلــك
المشــهد حينمــا رأيــت قميصــا ملتفــا علــى أحــدى
ذراعيــه فــردة جــورب،بــدا لــي االمــر كأن األخيــر
تمســك بصديقــه حتــى ال تجرفــه التيــارات المائيــة،
وقــد أعجبــت بهــذا الصديــق الــذي لــم يبخــل علــى
جــورب صغيــر بهــذا الكــم،أخذنــي ذلــك المشــهد
للمزيــد مــن التســاؤالت،كــم جــورب يــا تــرى تــم
إنقاذهــم منــذ بدايــة دورة الغســيل؟ وهــل اســتنجد
جميعهــم بقطــع أخــرى طلبــا للمســاعده أم أكتفــوا
بالصمــت؟ وهــل اســتجابت لهــم قطــع المالبــس
األخــرى أم أنــه فقــط ذلــك القميــص الوحيــد الــذي
مــد ذراع المســاعدة؟ انتبهــت علــى صــوت أمــي
وهــى تســألنى هــل أنهــت الغســالة دورتهــا؟
أجبتها:
نعم لقد انتهت للتو.
أمي
هيــا اخرجــي منهــا الغســيل حتــى أذهــب لوضعــه
بالشــرفة.بــدأت بأخــراج قطــع المالبــس ووضعهــا
فــي وعــاء الغســيل كمــا تريــد أمــي ووجــدت
فعــا ان هنــاك تشــابك بيــن كــم القميــص وذلــك
الجــورب الصغيــر،كمــا وجــدت بعــض الفــوط
تتمســك بالشراشــف الخفيفــة ألغطيــة األســرة..يــا
ألهــى مــا هــذا العالــم وكيــف تســير األمــور بينهــم؟
وعلــى مــاذا أسســت قوانينهــم؟
واحذني ذلك لطرقات وشوارع حياتية..
كــم مــرة تعثــر احدهــم بالطريــق وهــب آخــرون
إلنقــاذه كــم مــرة أضــاع أحدهــم الطريــق ألنــه
لــم يجــد ذراعــا يســتند عليــه أو يجذبــه للخــارج..
كنــت أظــن ســابقا أن الدعــم هــو النصــح باســتمرار
والتوجيــه،ولكــن أدركــت اآلن ان الدعــم ليــس
ســوى الــذراع المناســب فــي الوقــت المناســب..
الــذراع الــذي نتمســك بــه أثنــاء أعصــار الحيــاة
بأمــان،ال يرفــض وال يخزلنا..الدعــم هــو مــا رايتــه
بيــن كــم القميــص والجــورب الصغيــر فــي طرقــات
شــوارع دورة الغســيل.
أحببت ريحانه
بداخــل غصنهــا كانــت تتمايــل زهــرة الريحــان
برشــاقة ســعيدة بموقعهــا المتميــز داخــل الحديقــة
الــذي يجعلهــا تشــرف علــى كل أخبــار الحديقــة
عــن قــرب،لــم تخــش أبــدا زهــرة الريحــان مــن اي
زهــرة أخــرى قــد يراهــا البعــض تفوقهــا جمــاال ولــم
تتمنــى أن تكــون يســمينا وال فــل وال قرنفــل وال أى
زهــرة أخــرى،كانــت تؤمــن أن مــا حباهــا اهلل بــه من
رائحــة ذكيــه وقــوام مــرن يتمايــل مــع األيــام وألــوان
ممتزجــة مــن البنفســجي المحبــب واألخضــر هــو مــا
تحتاجــه بالظبــط لتكــون جميلــة بمــا يكفــى أو
يزيــد..
وبينمــا تســتمتع زهــرة الريحــان بهــواء المســاء العليل
وبعــض أصــوات الضفــادع الصديقــة المســتيقظة اثناء
منتصــف الليــل حيــن لمحــت ذاك الغريــب الــذي
أتــى لليــوم الثالــث علــى التوالــي إلــى الحديقــة،
يســير وحيــدا ثــم يجلــس بمنتصــف الحديقــة فــي
صمــت.
قــد يكــون ممارســا إلحــدى فنــون التأمــل الصامــت،
أو أتــى ليتعافــى بالطبيعــة مــن أمــر مــا،ولكــن مــا
زاد مــن دهشــتها توجهــه إليهــا اليــوم ليقــف عندهــا
مطيــل النظــر بهــا،ثــم تحــدث أخيــرا واكنــت دهشــتها
كبيــرة ألنهــا تعلــم أن البشــر لــم تعتــاد التحــدث إلى
النباتات.
ومــا زاد مــن دهشــتها أنهــا فهمــت مــا يقولــه لهــا،
كيــف ذلــك هــل تجيــد الزهــرة لغــات البشــر أم هــو
الــذي يحدثهــا بلغــة الزهــور؟ أم هــي لغــة أخــرى،
حديــث المشــاعر اقتربــت وانصتــت لــه حيــن قــال:
هــل تعلميــن أنــك كنتــى الزهــرة المفضلــة لزوجتــى
علــى مــدار عشــرين عامــا كاملــة،كنــت اتســائل
مــاذا بينكمــا؟ كانــت تأتــى لتســقيك وتســعد بنمــوك
وانباتــك ألغصــان أكثــر وأكثــر يومــا بعــد يــوم،
كنــت أوبخهــا أحيانــا لنزولهــا فــي المســاء أو فــي
درجــات الحــرارة الشــديدة أو البــرودة،واكنــت تــرد
علــي بابتســامتها:
عذرا انها الريحانة!!
واآلن بعــد رحيلهــا أوصتنــي باإلعتنــاء بــك،كنــت
أتــى األيــام الماضيــة وأعطيــك ظهــرى فقــد كنــت
متذمــرا جــدا،فلقــد حصلــت منهــا علــى النصيــب
األكبــر مــن األهتمــام والرعايــة،إلــى أن جذبنــي
عطــرك اليــوم رغمــا عنــى،فأجدنــي علــى أعتابــك
امتثــل لرغبتهــا فــي العنايــة بــك.مهــا مــا هــذا
الــذي أراه؟ هــل يهبــط النــدى فــي منتصــف الليــل؟؟
أم هــل تبكــى الريحانة؟هــل تبكيــن صديقتــك حيــن
علمتــي برحيلهــا !!يــا الهــى مــا هــذا الحــب؟
أنــا أيضــا أحببتــك أيتهــا الريحانــة وأتمنــى أن
تمنحينــي بعضــا مــن هــذا الحــب.
أحببت ريحانه
أي شادو
تختــار رؤى ظــل العيــون باهتمــام شــديد وتســتعمله
بإتقــان ومهــارة عاليــة،فهــي تؤمــن أن ظــال
العيــون أشــد ســحرا وتأثيــرا علــى شــعور الفتــاة
بثقتهــا وقوتهــا الذاتيــة مــن أي محاضــرة عــن القــوة
والتطويــر:رؤى فتــاة جامعيــة أنيقــة فــي الســنة
النهائيــة مــن كليــة الفنــون الجميلــة،يشــهد لهــا
الجميــع بالجمــال والثقــة والجاذبيــة والقــوة،فهــي
لــم تكــن يومــا مثــل فتيــات تلــك األيــام الالتــي
يتمتعــن بالــدالل والرقــة،وال يضرهــا ذلــك،ولكنهــا
تــرى أن الفتــاة المعاصــرة التــي تنــوى علــى العمــل
وتفكــر بالدراســة والســفر يجــب أن تتمتــع بالقــوة
لذاتهــا واالحتــرام ذلــك األمــر الــذي لــم يكــن يقبله
خطيبهــا رائــد،وبالرغــم مــن أنــه كان يــدرس معهــا
فــي نفــس القســم إال أنــه لــم يكــن يقتنــع بأنهــا
ســتنزل إلــى العمــل بعــد التخــرج وممارســة العمــل
الجــاد األمــر الــذي أدى لفســخ تلــك الخطبــة مــن
شــهرين قبــل امتحانــات الفصــل الدراســي األول
بأســبوع واحــد بعــد الحــوار الــذي احتــد بينهــم فــي
الجامعــة أمــام جميــع الزمــاء ولــم يكن ذلــك للمرة
األوىل،بــدأ تعــارف رؤى ب رائــد منــذ 5ســنوات
حينمــا جمعهــم سيكشــن تصويــر واحــد ...لفــت
انتباهــه ثقتهــا العاليــة وتركيزهــا على ضبط عدســات
الكاميــرا والتقــاط زوايــا مبهــرة لنفــس الشــيء الــذي
يلتقــط لــه صــورا بــكل المجهــود الــذي يبذلــه وال
يمكــن القــول انــه أكثــر مــن صــور عاديــة لــه،ظــل
رائــد يتابعهــا شــهرا كامــا يجتمعــون فــي األماكــن
نفســها للتصويــر ولــم تلحظــه رؤى ابــدا،فهــي لــم
تبــد اهتمامــا حقيقيــا لشــيء ســوى عدســتها،بينمــا
رائــد كان فــي خــال شــهر قــد اســتحوذت رؤى على
تفكيــره تمامــا خصوصــا تلــك العينــان الســاحرتان
المزينتــان بظــال الجفــون:عاشــت رؤى طفولــة
صعبــة،ولــدت بدولــة الكويــت الشــقيقة ألســرة
مصريــة ســافرت فــي العقــود المبرمــة فــي التعــاون
المصــري الخليجــي كانــت رؤى االبنــة الكبــرى ولها
اخــت تصغرهــا بعاميــن،وىف البدايــة كانــت حياتهــم
مســتقرة التحقتــا بالمدرســة االبتدائيــة المشــتركة
ثــم انتقلــت رؤى للمدرســة المتوســطة(اإلعدادية)
واكن لهمــا العديــد مــن الصديقــات واألصدقــاء مــن
كل الجنســيات إلــى أن حــدث فــي ذات يــوم ذلــك
العــدوان علــى البلــد الصغيــر الهــادئ ليســتيقظ
الجميــع علــى صبــاح لــم تشــرق لــه شمســا،تتزاحــم
الطائــرات فــوق ســماء البلــد الــذي امســي هادئــا
وأصبــح خائفــا مشــتعال،تحجــب األدخنــة األفــق،
تأثــر منزلهــم بهــذه الطلقــات كمــا توقــف عمــل الوالد
ولك مــا اســتطاعوا الوصــول إليــه هــو أقــرب معبــر
بكثيــر مــن الخــوف والجــراح حتــى عبــروا كباقــي
الالجئيــن ثــم أرســلتهم تلــك المينــاء الشــقيقة إلــى
مينــاء مصــر بالباخــرة،اختلفــت الحيــاة تمامــا بعــد
عودتهــم وحقــا قامــت األســرة بمجهــودات مكثفــة
حتــى يتعافــون مــن هــذه الصدمــة جميعــا،بحــث
األب عــن عمــل جديــد واضطــر أن يقبــل بــأى عمــل
وجــده متاحــا فــي ذلــك الوقــت حتى وهــو براتــب اقل
بكثيــر ممــا كان يحصــل عليــه فــي مصــر نفســها
قبــل الســفر،ادى ذلــك إلــى بيعــه لقطعــة أرض كان
يدخرهــا واشــترى بــدال منهــا ســيارة(تاكس) حتــى
يســتطيع أن يوفــر الطلبــات العاديــة لألســرة،ســاعده
علــى ذلــك زوجتــه ســحر المحبــة الحنونــه،فلــم
تكــن تشــكو مــن غيابــه الطويــل عــن المنــزل ولــم
تتذمــر مــن ســوء الحــال،كمــا بحثــت عــن عمــل
بالتدريــس ولكــن لــم تتمكــن مــن االنتظــام فــي
مدرســة حتــى ال تتــرك الفتاتيــن فــي هــذه الظــروف
النفســية العصيبــة بمفردهما فلجئت إلــى مجموعات
التقويــة بالمنــزل فــي مــواد العلــوم والرياضيــات فهــي
كانــت مثــل رؤى ابنتهــا مهندســة ديكــور ولكنهــا
ســافرت ولــم تــزاول المهنــة لــم تكــن رؤى تفهــم
فــي ذلــك الوقــت مــا حــدث لهــم،ولكنهــا أدركــت
أن حياتهــا اختلفــت اختالفــا كبيــرا وأنهــا لــم تعــد
تلــك الطفلــة المدللــة واســتطاعت أن تتقبــل
ذلــك بســبب صبــر والدتهــا وحثهمــا علــى تحمــل
الظــروف الجديــدة وعــدم الضغــط علــى أبيهمــا
فــي متطلبــات إضافيــة،ذاكــرت رؤى باجتهــاد فقــد
قــررت أنهــا ســتجتهد وتنهــى دراســتها ثــم تســافر
للعمــل بــأى دولــة وقــد تعــود لمســقط رأســها فهــي
لــم تنســاها ابــدا،فقــررت أن تجــرب العمــل بمكتبــة
بجانــب دراســتها حتــى تســتطيع أن تســاعد نفســها
وأســرتها الصغيــرة،فكانــت منــذ الصــف األول
الثانــوى تنهــى مدرســتها وتذهــب للمكتبــه تعلمــت
فيهــا أصــول تصويــر الــورق وطبــع النســخ العلميــة
واكنــت تتقاضــى أجــرا زهيــدا مقابــل مــا تقــوم بــه،
وتذاكــر أيضــا أثنــاء وجودهــا بالمكتبــة،ولكنهــا
كانــت تســتعمل هــذا األجــر الرمــزي كمصــروف لهــا
وألختهــا فريــدة،فكانــت تشــعر دومــا أنهــا ابنتهــا
ويجــب أن تحــي بشــكل أفضــل مــن ذلــك بالرغــم
أنهــا تكبرهــا بعاميــن فقــط كان عملهــا فــي تصويــر
الــورق بالمكتبــة بدايــة لشــغفها بالتصوير،اكتشــفت
أن ضبــط األوراق حتــى تصبــح المذكــرة فــي افضــل
نســخة لهــا أمــر تحبــه بشــده،إلــى أن جــاءت تلــك
اللحظــة حينمــا دخــل (عميــل) يحمــل كاميــرة
تصويــر فوتوغرافــي ليقتنــى بعــض األوراق البيضــاء
(كانســون) وأقــام التلويــن،حيــث دار بينهــم هــذا
الحــوار
رؤى:
نعــم لــدى مــا تطلبــه،ولكــن هــل تســمح لــي أن
اجــرب تلــك الكاميــرا الزائــر:
بالطبــع ولكــن احترســي ال تضعــي أضبعــك علــى
صورتــك قابلــة
أردت أن تصبــح
فتحــة التصويــر إذا
للتحميــض والطباعــة،التقطــت رؤى اول صــورة لهــا،
كانــت لبــرواز معلــق علــى إحــدى ارفــف المكتبــة
وحيــن رأهــا عمــاد ســألها مندهشــا،أيــن تعلمــت
التصويــر؟ أخبرتــه رؤى أن هــذه هــي الصــورة األوىل
لهــا
الفصل الثاني لقاء تعارف
أخبرهــا عمــاد بعــد أن اســتلم االوراق واأللــوان،انــه
طالبــا بالســنة النهائيــة فــي الفنــون الجميلــة،وانــه
يحصــل علــى تقديــر ممتــاز كل عــام وســيصبح
معيــدا فــي الكليــة وان والــده لديــه اســتوديو خــاص
بــه وســيعرض هــذه الصــورة عليــه وهــو متأكــد انهــا
ســتحوز إعجابــه مــر أســبوع علــى هــذا اللقــاء،
انشــغلت فيــه رؤى بمدرســتها ودروســها وعملهــا
بالمكتبــة ونســيت تمامــا كل مــا كان بشــأن هــذا
اللقــاء إلــى أن وجــدت ذات يــوم عمــاد ووالــده
يدخلــون عليهــا المكتبــة
عماد:
هــذه رؤى يــا أبــي صاحبــة الصــورة التــي حدثتــك
عنهــا عمــاد محدثــا رؤى:أبــي لــم يصــدق أن هــذه
هــي أول صــورة تلتقطينهــا وظــل طــوال األســبوع
يحثنــي أن أنهــى مشــاريعي حتــى أحضــره إلــى هنــا،
اعتــذر عــن تأخيــر هــذا اللقــاء ولكــن تعلميــن
مشــاريع التخــرج
رؤى:
ال بأس،أهال بكم،يسعدني رؤيتك يا أستاذ.
عماد:
جميل،والدى يدعى جميل،أسف لم أعرفكم
رؤى:
تعرفنــا بمــن؟ وهــل يخفــي القمــر،حضرتــك األســتاذ
جميــل صاحــب فــروع اســتوديوهات جميل الشــهيرة؟
جميل:
نعــم يــا بنيتــي وأنــا هنــا لديــك اآلن حتــى تلتقطــي
لــي صــورة،واعلــم أنهــا ســتكون اجمــل صــورة
التقطــت لــي علــى اإلطــاق مــدت رؤى يدهــا
للحصــول علــى الكاميــرا بيــد مرتجفــة تــكاد تســمع
دقــات قلبهــا،ولكنهــا ركــزت علــى مــا تقــوم بــه
.نظــرت فــي عدســة الكاميــرا ويدهــا مقوســة قليــا
تديــر العدســة يمينــا ويســارا بمقــدار مللــي واحــد
حتــى تضبــط الــكادر رفعــت إضــاءة المكتبــة قليــا
طلبــت مــن أســتاذ جميــل أن يكــون هادئــا مبتســما
ينظــر إلــى العدســة بثبــات واا كمخــرج محتــرف
يصيــح أكشــااان التقطــت رؤى صــورة األســتاذ
جميــل قبــل أن يبــدأ هــذا األخيــر بالتملمــل،نظــر
جميــل لصورتــه داخــل الــكادر بدهشــه حقيقيــة ثــم
تــرك الكاميــرا وصفــق بشــدة لــرؤى وهــو يضحــك
قائــا:
أخيــرا حصلــت علــى الصــورة التــي حلمــت بهــا مــن
زمان.
ضحكــت رؤى بســعادة حقيقيــة،فهــي لــم تكــن
تتوقــع هــذا االستحســان لمســتواها،كمبتــدأة عــرض
عليهــا جميــل قبــول التدريــب لديــه فــي االســتوديو
ولكنهــا تــرددت قليــا،فذلــك يعنــى أنهــا ســتتنازل
عــن اجــر المكتبــة اســتفاقت مــن شــرودها علــى
صــوت األســتاذ جميــل يحدثهــا:
يــا رؤى أنــا أريــدك أن تنضمــي إلــى فريــق
العمــل لــدى باالســتوديو فأنــا اختــار فريقــي مــن
الموهوبيــن،التصويــر ليــس فقــط مهنــة ولكنــه فــي
األســاس موهبــة وانــت لديــك موهبــة فائقــة وســتنمى
مــن خــال التدريــب فــي االســتوديو،واختيــارى
للموهوبيــن هــو مــا جعــل اســتوديوهات جميــل
تحظــى بهــذا التوســع علــى مــدار الســنوات الماضيــة
رؤى:
ال يمكــن ألحــد أن يرفــض مثــل هــذا العــرض وهــذه
الثقــة يــا أســتاذي ولكــن اقصــد لكنــى..
قاطعها جميل:
زلــت فــي ســنوات
نعــم اعلــم يــا بنتــى انــك مــا
الدراســة وبالتأكيــد لديــك التزامــات بمذاكرتــك
ًوالتزامــات ماديــة أيضــا،وانــا اضمــن لــك راتبــا منــذ
بدايــة تدريبــك معنــا ..كمــا أن وقتــك باالســتوديو
لــن يتعــدى الثــاث ســاعات فــي أيــام الدراســة
وســنعوض الفــارق فــي اإلجــازات اعتــرض عمــاد
صائحــا:منــذ متــى يــا أبــي وانــت تتعامــل بمبــدأ
الخيــار والفاقــوس،أنــا ابنــك لــم احصــل علــى ربــع
هــذا العــرض،صدقينــي يــا رؤى أنــا أعمــل عنــده
مجانــا منــذ زمــن بعيــد،صــاح األب ال تصدقيــه
أوال هــو ال يعمــل عنــدي هــو يمــارس شــغفه فــي
االســتوديو،ثــم أنــه حصــل علــى ســيارة جيــدة يحلــم
بهــا أي شــاب عنــد التحاقــه بالجامعــة ضحــك
الجميــع،ولكــن ظــل عمــاد يشــاكس والــده،قائــا:
أن الســيارة يــا رؤى هــي هديــة نجاحــي فــي الثانويــة
العامــة ضحكــوا جميعــا،وأضافــت رؤى،يبــدوا أن
والــدك يــا عمــاد يدللــك كثيــرا زم عمــاد شــفتيه
متصنعــا الغضــب،وهــو يزمجــر ليتنــى لــم اعرفكمــا
ببعضكمــا،لقــد تحالفتمــا علــى،عمومــا ســاتخرج
هــذا العــام ألصبــح معيــدا بالكليــة وإذا تخصصــت
فــي التصويــر ودرســت فــي كليــة الفنــون ســأثأر
ألجــل هــذا التحالــف أعوامــا واعــوام،ضحكــوا
جميعــا وغــادر عمــاد ووالــده المكتبــة بعــد االتفــاق
مــع رؤى انهــا ســتنضم لالســتوديو مــع بداية األســبوع
القــادم .
رجعــت رؤى للمنــزل تغمرهــا ســعادة كبيــرة وتروادها
أحالمــا ســعيدة،تشــعر انهــا كمــن وجــد أخيــرا بداية
الطريق.
الفصل الثالث في االستوديو
افاقــت رؤى مــن شــرودها حينمــا اوصلتهــا ســيارة
األجــرة امــام بــاب الجامعــة،وبمجــرد دخولهــا
كان عمــاد المعيــد الصديــق بالكليــة واقفــا مــع
مجموعــة مــن زمالئــه اســتأذنهم وبادرهــا بالتحيــة:
صبــاح الخيــر،الباشمهندســة متأخــرة ليــه؟ وكمــان
مكشــرة؟
يبــدو أن هنــاك شــيئا يحتــاج أن نتحــدث بشــأنه،فال
يمكــن أن يكــون المصــور الوحيــد الــذي ســيصور
فرحــى تعيســا بهــذا الشــكل!! أي حــظ هــذا!
اتســعت ابتســامة رؤى لســماع خبــر فــرح عمــاد
فهــي كانــت تعلــم بقصتــه المتعبــة مــع ماريــا وكــم
الصعوبــات التــي واجهتهــم كشــابين فــي بدايــة
حياتهمــا،كانــت ماريــا حــب عمــاد األول واألخيــر
ولــم يســتطع أن ينســاها طــوال الثــاث ســنوات التــي
اضطرهــا أهلهــا أن تســافر فيهــم وتبتعــد عــن عمــاد
ولكــن االتصــاالت لــم تنقطــع بينهمــا حتــى عــادت
وعــاد الــود مــرة أخــرى،عمــاد شــاب مجتهــد ولــه
مســتقبل مشــرق باإلضافــة إلصــراره وتصميمــه علــى
مــا يريــد،وهــا هــو اآلن يخبرهــا بموعــد الزفــاف
أجابــت رؤى:
أنــا فــي احســن حاالتــي اآلن لســماع هــذا الخبــر
الســعيد،بلــغ العــروس مباراكتــي وتفرغــا لــي يومــا
حتــى أقــوم بتصويركمــا فــي أماكــن مختلفــة واعمل
لكــم (فوتــو سيشــن) الئقــا.
عماد:
علــم وينفــذ حضــرة البــاش مصــورة ضحــكا ســويا
ثــم اســتأذنته حتــى ال تتأخــر عــن محاضــرة دكتــور
حســن وهــو مــن أقــدم المحاضريــن بالكلية،يعشــق
الفــن ويحفــظ تاريــخ الفــن اإلســامي كاســمه،واكن
يحدثهــم عــن مشــروع تخرجهــم قائــا:
إن الفــن اإلســامي ملــئ بالفــن والزخــارف وأريــد
مجســماتكم تتحــدث بالنيابــة عنكــم حتــى
التصويــر أريــده أن يكــون حيــا ينقــل شــعورا
باألصالــة والمعاصــرة،موعــد التســليم بعد أســبوعين
مــن اآلن،بالتوفيــق لكــم جميعــا.
أســبوعين وتتخــرج رؤى وتبــدأ فــي ممارســة المهنــة
التــي تعشــقها والحيــاة العمليــه التــي إرادتهــا
لنفســها،وبالرغــم مــن حبهــا لالســتاذ جميــل ولكنها
لــن تظــل حبيســة االســتوديو،فتصويــر بــرج ايڤل لــن
يتــم مــن غرفــة تصويــر األســتاذ جميــل،وهــى لــن
تخــذل حلمهــا هــي تديــن حقــا لألســتاذ جميــل بهــذا
الفضــل،فهــو مــن دلهــا علــى شــغفها وعلمهــا الكثير
وعاملهــا كابنتــه تمامــا،حتــى حينمــا دخلــت الكلية
كان يعيرهــا أدوات عمــاد التــي لــم يعــد يســتعملها،
وأول كاميــرا اقتنتهــا رؤى كانــت هديــة النجــاح مــن
أســتاذ جميــل بل أنهــا ال تنســي صورته التــي حمضها
وبروزهــا ووضعهــا بمدخــل االســتوديو فكانــت أول
شــيء تقــع عيناهــا عليــه هــي بــرواز مــن تصويرهــا
حينمــا لمســت أقدامهــا المــكان،وبذلــك فهــي ال
تنســي أنــه كأبيهــا تمامــا،حتــى أن رائــد خطيبهــا
الســابق حينمــا حــدد معــاد الخطبــة أصــرت عليــه
أن يأتــى معهــا االســتوديو لدعــوة األســتاذ جميــل،
فكانــت بذلــك أول فتــاة تخطــب مــن أبيــن فــي
نفــس الوقــت،وكــم كانــت ســعادة األســتاذ جميــل
عظيمــه بلقــاء والــد رؤى األســتاذ ناجــى المحاســب
بشــراكت مدبــوىل لصناعــة األثــاث،فقــد كان والدهــا
نموذجــا لــاب المثالــى كمــا وصفــه األســتاذ جميــل،
وقــد نشــأت صداقــة قويــة بينهمــا منــذ ذلــك اليــوم،
لــم تغــب عــن عيــن رؤى أبــدا لحظتهــا األوىل
فــي اســتوديو جميــل الشــهير وهــى تلــك الفتــاة
البســيطة الصغيــرة التــي جــاءت لتتــدرب فــي أشــهر
األســتوديوهات بمدينتهــا،قابلــت حينهــا تلــك الفتــاة
التــي كانــت تكبرهــا بخمســة أعــوام،كانــت تتميــز
نبــع بجمــال طبيعــي ولكنهــا كانــت تعــرف كيــف
تظهــره ليبــدو اقــوى وأعمــق،وهــذا أول مــا علمتــه
لــرؤى،مــا زالــت تتذكــر كلماتهــا:
العيــون يــا رؤى تعكــس مــا نقــول ومــا ال نقــول،وأن
كنــت ســتتمرنين علــى تصويــر البورتريــه فيجــب
عليــك اوال أن تــوىل عيــون العمــاء اهتمامــا الئقــا،
ولكــن كيــف توليهــم ذلــك االهتمــام بــدون أن توىل
عيونــك أهتمامــا؟ فاقــد الشــيء ال يعــرف كيــف
يعطيــه.وأخذتهــا نبــع مــن يدهــا قائلــه:هيــا تعالــى
معــى فــي غرفــة التصويــر ألريــك كيــف تضعيــن
ظــال العيــون.
بعــد مــرور عشــرة دقائــق،هــا،أنظــرى كيــف
أصبحت؟فتحــت رؤى عينيهــا ببطــئ ولــم تســتطع
للوهلــة األوىل أن تصــدق أن المــرأة تعكــس صورتهــا
هــي ..كانــت أجمــل بكثيــر ممــا أعتــادت عليــه مــن
نفســها،وللحظــة ظلــت تبحــث بعينيهــا فــي الغرفــة
علهــا تجــد شــخصا أخــر معهمــا تعكــس المــرأة
صورتهــا.
مــا زلـ ِ
ـت تذكــر ضحكــت نبــع وهــى تؤكــد عليهــا:
نعــم يــا رؤى أنــك بهــذا الجمــال وهــذه القــوة،ال
تتخلــى أبــدا عــن ســحر عيونــك.نبــع صديقتهــا التي
منحتهــا الكثيــر مــن الخبــرة والثقــة فــي نفســها ويف
هــذا المجــال،هــي مــن أهتمــت بعمــل التزييــن
الكامــل لــرؤى فــي تلــك الخطبــة المنتهيــة قبــل أن
تســافر نبــع مــع زوجهــا وتتــرك مســؤلية األســتوديو
كلهــا علــى عاتــق رؤى،اآلن يحتــاج األســتوديو
إلــى رؤى صغيــرة جديــدة تتمــرن علــى يــد رؤى
الحاليــة قبــل أن تقــرر تــرك األســتاذ جميــل،فهــي
تعلــم كــم الشــغل باالســتوديو وصحــة األســتاذ
جميــل لــم تعــد كالســابق،فلــن تتركــه قبــل ان يتوفــر ً
بديــل .وهــى فرصــة أيضــا حتــى تســتطيع مراســلة
الهيئــات الســياحية الدوليــة التــي تهتــم بتصويــر
المعالــم األثريــة وترســل لهــم ســيرتها الذاتيــه إلــى
أن تتلقــي ردا مــن أحدهــم كمــا انهــا تريــد أن تحضــر
خطوبــة أختهــا علــى حســام ذلــك المحاســب الــذي
يعمــل تحــت أدارة أبيهــا والــذي أعجــب بفريــدة
منــذ أن وقعــت عينــاه عليهــا فــي أحــدى األيــام
التــي زارت فيهــا مكتــب والدهــا ثــم تكــرر اللقــاء
حينمــا دعــاه ناجــى لحضــور خطبــة ابنتــه رؤى،
واكن هــذا اللقــاء اطــول وتبــادال فيــه كلمــات أكثــر
وانتظــر حســام حتــى أتمــت فريــدة دراســتها الثانويــة
والتحقــت بكليــة األداب قســم األثــار الــذي تعشــقه
وهــى اآلن فــي الســنة قبــل النهائيــة،وبالنســبة
إلــى رؤى فهــي حتــى وان أنهــت خطبتهــا مــع رائــد
وتفكــر حاليــا فــي الســفر والمســتقبل المهنــي إال
انهــا لــن تقــف فــي طريــق ســعادة أختهــا فهــي ال
تؤمــن بترتيــب الكبــري والصغــرى وقــد أنهــت مــع
أهلهــا ذلــك الحــوار وتمســكت برأيهــا أن ال تأجيــل
لخطبــة فريــدة ألي ســبب كان،فهــي تعلــم أن فريــدة
أغرمــت بحســام أيضــا وبينهمــا توافــق كبيــر،كمــا
أن حســام مــن أســرة راقيــة ووالدتــه تحــب فريــدة
كابنتهــا التــي لــم يســاعدها القــدر لتنجبهــا،وبذلــك
فهــي مطمئنــه علــى أختهــا فــي هــذه العائلــة.حيــاة
رؤى ومــا مــرت بــه فــي طفولتهــا جعلتهــا دائمــا
تنظــر للمســتقبل وتحــاول أن تضــع خططــا مناســبه
لــه حتــى ال تفاجــئ مجــددا مثلمــا حــدث ســالفا
.حتــى فســخها لخطبتهــا مــن رائــد فبرغــم حبــه
لهــا الــذي كان يتغنــى بــه صباحــا ومســاءا إال أنــه
اســتعمل ذلــك الحــب للضغــط عليهــا والحــد مــن
طموحهــا وتقليــل حريتهــا،لــم يتفهــم أن االختــاق
الــذي رأه فيهــا عــن باقــي الفتيــات نابــع مــن ذلــك
الشــغف الــذي يحركهــا وتلــك المســؤولية التــي
تحملتهــا منــذ أن كانــت طالبــة بالمدرســة،شــعرت
ببعــض الحزن واألســي لفســخها لخطوبتهمــا،ولكنها
حاولــت أقنــاع رائــد مــرارا أن يشــاركها أحالمهــا وأن
يجمعهــم حلمــا مهنيــا واحــدا كمــا ســوف يجمعهــم
بيتــا واحــدا،واكن ذلــك ســيحل مشــكلتهم المهنيــة
والعائليــة فقــد كانــت تنــوى ان تؤجــل الســفر حتــى
تتوفــر فرصــة تجمعهمــا ســويا،كانــت ســتكتفي
باســتوديو أقــل بكثيــر مــن أســتوديو األســتاذ جميــل
ويعمــا همــا علــى توســعته وتطويــره،لكــن رائــد
الغيــرة والتحكــم اغلــق عينيــه وقلبــه،فلــم تســتطع
إال أن تتركــه .وهــا هــي اآلن تعمــل علــى تنفيــذ
مشــاريع تخرجهــا وتتحمــل مســؤولية االســتوديو
وتبحــث فــي جــدول مواعيدهــا عــن يــوم مناســب
لــل (فوتــو سيشــن) الخــاص بعمــاد وعروســه،كمــا
تنــزل مــع فريــدة الختيــار فســتان الخطوبــة وتختــار
فســتان ســهره لهــا فهــي أخــت العــروس،كمــا تابعــت
معهــا تأكيــد حجــز تصويرهــا مــع أســتوديو جميــل،
ففريــدة ليســت أقــل ممــن تصورهــم أختهــا بــل فــي
عينيهــا هــي أجملهــن،كمــا تراهــا رؤى بقلبهــا بينمــا
تقــوم والدتهمــا باالتفــاق علــى البوفيــه ومتابعــة الزي
الخــاص بهــا وحجــز بدلــه والدهــم وعمــل ديكــور
غرفــة المعيشــة وتحويلهــا لقاعــة مميــزة تحتفــظ
بهــذه الذكريــات الســعيدة كان الجميــع منشــغال
بالترتيــب والتنظيــم،ولكــن هــذا المنــزل كان
يحتــاج هــذه الفرحــة المجمعــة،فحتــى وان ســارت
الحيــاة مؤخــرا بشــكل طبيعــي وهــادئ واســتطاع
ناجــى ان يحقــق تقدمــا فــي عملــه ليحصــل علــى
منصــب مديــرا لــإدارة الحســابات بالشــركة ممــا
جعلــه يعيــن ســائقا لســيارته األجــرة الــذي بــدوره
كان ينقــل الفتيــات مــن والــى الجامعــه،ولكــن
الفرحــة المجمعــة شــيء أخــر وقــد حــان موعدهــا
اآلن ليفــرح الجميــع ملــئ قلوبهــم.الفصــل الرابــع
حفــل التخــرج .
فــي هــذا اليــوم المشــرق منــذ بدايتــه أســتعدت رؤى
وارتــدت ثيابهــا وأكــدت علــى أســرتها اللحــاق بهــا
فــي تمــام الســاعة الخامســة فــي القاعــة المقــام بهــا
الحفــل بالكليــة كمــا أكــدت علــى عمــاد وعروســه
واألســتاذ جميــل حضورهــم جميعــا.
كان ذلــك اليــوم بالنســبة لــرؤى هــو اليــوم العالمــي
(عالمهــا) لتتويــج حلمهــا الــذي تعبــت مــن أجلــه
وانتظرتــه ســنوات..القي العميــد كلمتــه االفتتاحيــة
ثــم بــدأ التكريــم وتســليم الشــهادات والتصويــر
ســلمت علــى رائــد وباركتــه وتمنــت لــه حظــا جيــدا
ثــم جــاء دورهــا وتســلمت شــهادتها وســط فرحــة
ناجــى والدهــا وعمــو جميــل وعمــاد وماريــا وفريــدة
وحســام ووالدتهــا ســحر،بينمــا تحاوطهــا الســعادة
مــن كل جانــب وبعــد انتهــاء الحفــل ومباركــة
الجميــع لهــا وعنــد ذهابهــا للمنــزل وهــى تتلقــي
رســائل التهنئــة علــى بريدهــا اإللكتــروين فتفاجــئ
بتلــك الرســالة.
مبــرووك يــا رؤى،انتظــرت تلــك اللحظــة منــذ وقــت
طويــل،ال تتعجبــي فأنــا أعرفــك جيــدا وأتابعــك منذ
ســنوات فــي صمــت ولكــن لــم تكــن الظــروف
مناســبة وخصوصــا أثنــاء فتــرة خطوبتــك أو بعــد
فســخها مباشــرة،لذلــك كان علــى أن أنتظــر حتــى
هــذه اللحظــة ولــن أخــف عنــك مــدى ســعادتي
بفســخ تلــك الخطبــة فقــد كان أملــى الوحيــد أن
يصبــح لــي مــكان فــي حياتــك يومــا مــا ..اعتــذر
لهــذه المقدمــة بــدون أن أعرفــك بنفســي إلــى اآلن
أنــا هشــام األخ التالــي لنبــع،لــم تكــف نبــع عــن
الحديــث عنــك وحينمــا ســافرت لــم يمــر يــوم بــدون
ذهابــي لكليتــك،رأيتــك وأنــت فــي كل حاالتــك
المزاحيــة وكــم تمنيــت أن أقتــرب وأعرفــك بنفســي،
ولكــن تــرددت كثيــرا حتــى ال تظنــي أن نبــع هــي
مــن أرســلتني أليــك ..مــازال لــدى الكثيــر والكثيــر
ألخبــرك بــه يــا رؤى ..فعلــى ســبيل المثــال أنــا أعمــل
اآلن علــى مشــروع أنشــاء محــاكاة لمقبــرة تــوت
عنــخ أمــون فــي إيطاليــا وحينمــا انتهــي مــن تنفيــذه
سأســافر لإلشــراف علــى التصميــم وأحتاجــك معــى
لتصويــر العمــل وتوثيقــه لحظــة بلحظــة وال تقلــق
فأنــا مفــوض الختيــار فريــق العمــل،أرجــو إال أكــون
زحمــت رأســك بالكثيــر مــن أألفــكار،وال أريــدك
أن تتصــوري أننــي أســتغلك مهنيــا،ولكنــى أعــرف
جيــدا مــدى شــغفك وأن فبلتــي بالتعــارف بــي عــن
قــرب ســيصبح لكيانــك ومســتقبلك المنــى جــل
االعتبــار.هــل حقــا مــا تــرأه،وســريعا وقبــل أن تــرد
علــى الرســالة بحــرف واحــد أرســلت لنبــع تخبرهــا
بمحتــوي الرســالة.
نبــع:أعلــم ذلــك وأنــا مــن كان يدعــو هشــام للتريث،
فهــو مغرمــا بــك منــذ وقــت طويــل،أرجــو أن يكــون
جــرح فســخ خطبتــك قــد شــفى فأنــا لــن أجــد ألخي
زوجــة مثلــك ولــن أجــد لنفســي صديقــة وأخــت
أفضــل منــك تنضــم إلــى أســرتنا الجميلــة.ابتســمت
رؤى وهــى تتذكــر أن اهلل لــم يؤخــر ســعادتها فــأن
كان قــدر لهــا أن تســتمر مــع رائــد فــأن زفافهمــا كان
مقــدرا لــه أن يكــون فــي مثــل هــذه األيــام،واآلن
هــي ليســت وحيــده وبشــكل أفضــل بكثيــر ممــا
ســبق فهــي تثــق بنبــع وقــد تصــادف أنهــا رأت هشــام
باالســتوديو مــرة أو مرتيــن حينمــا جــاء يصطحــب
نبــع،وضحكــت مــن قلبهــا حينمــا تذكــرت تلــك
الزيــارات الملفقــة.
فتحــت جهازهــا الصغيــر وأرســلت رســالة ردا علــى
هشــام:ال أدرى بمــاذا أجيبــك ولكنــى أتذكــر أننــي
رأيتــك مــرة أو أثنتيــن علــى األكثــر مــع نبــع فــي
األســتوديو واكن ذلــك منــذ وقــت طويــل،ويف عالمنــا
ال يعتــد بالصــور التــي مــر عليهــا أكثــر مــن ســتة
أشــهر،لــذا ..فأنــا أقبــل أن تــزورين مجددا باألســتوديو
ألحصــل علــى صــورة جديــدة لــك.ضحــك هشــام
مــن قلبــه حينمــا قــرأ ردهــا وتبــادال أطــراف الحديث
وشــعرت رؤى بألفــة غريبــة تجمعهــم شــجعها ذلــك
علــى قبــول طلبــه بتنــاول فنجــان قهوتهــا الصباحيــة
معــه،لــم تتوقــف المحادثــات بينهمــا إلــى أن الح
الصبــاح فارتــدت مالبســها واهتمــت بظــال العيــون
وغــادرت المنــزل متجــه إلــى المقهــى المتفــق عليــه،
فــي التاســعة صباحــا كان لقائهمــا يتنــاوالن القهــوة
علــى أنغــام فيــروز ليكتشــفا أنهمــا يحمــا نفــس
الشــغف فــي أمــور كثيــرة منهــا أغانــي فيــروز بينمــا
كانــت تغنى(أنــا لحبيبــي وحبيبــي إلــي) غــاص
بعينيهــا متأمــا ظاللهــا والرمــوش قائــا:عينيــك
رائعــة يــا رؤى بــل كل مــا فيــك ثــم طلــب منهــا
اإلنصــات لألغنيــة جيــدا..كان قلبهــا وألول مــرة
يشــعر بســعادة حقيقــة،لــم تســتطع أن تمنــع نفســها
مــن تذكــر رائــد وتحمــد اهلل أنهــا لــم تســتمر،فكيــف
كانــت ستســتمر معــه وهــى لــم تشــعر بمثــل هــذا
اإلحســاس وهــذه الراحــة،ســرحت قليــا كانت بشــرة
رائــد بيضــاء ناعمــة بعيــون ســوداء وجبهــة عريضــة،
كانــت مالمحــه تعتبــر جميلــة ولكــن طباعــه لــم
تســتطع رؤى أن تتكيــف معهــا،أمــا هشــام فحظــي
ببعــض جمــال نبــع أختــه نفــس البشــرة البرونزيــة
قليــا والعينيــن البنيتيــن والوجــه الممتلــئ عنــد
الخــدود ولكــن مالمحــه مريحــة تبعــث االطمئنــان
فــي القلــب علــى الفــور كمــا أنــه يســتعمل العطــر
الممــزوج برائحــة خشــب الصنوبــر الــذي كانــت
تتمنــى أن يســتعمله رائــد بــل وقــد أحضرتــه لــه فــي
عيــد ميــاده ذات مــرة،ولــم يهتــم بــه مكتفيــا بتعليق
مجامــل ولــم يســتعمله أبــدا عــادت بحضورهــا إلــى
هشــام بينمــا يكــرر ســؤاله عليهــا هــل لديــك مانــع
أن أحــدد مــع والــدك موعــد خطوبتنــا األســبوع
القــادم فــي نفــس موعــد حفــل فريــدة أختــك وأختي
أيضــا...
لــم تتمالــك رؤى نفســها وأجابــت بســعادة حقيقيــة
ال مانــع لــدى،مــرت األيــام التاليــة والبيــت يتزيــن
والجميــع بســعادة واكنــت رؤى وفريــدة أحلــى
عروســتان صورهمــا األســتاذ جميــل فــي ذلــك اليــوم
.حيــث غمــرت الســعادة الجميــع.
حديث_ الفنون
تشــمل الفنــون أنــواع عديــدة فهــي ال تقتصــر فقــط
علــى فن الرســم والتلويــن والزخــارف،أو فنــون النغم
والموســيقي أو فنــون ومهــارات الكتابــة بأشــكالها
المتعــددة،بــل هنــاك فنــون أخــرى،ولكــن لألســف
ال يمارســها اغلــب النــاس،برغــم بســاطتها،يطلــق
عليهــا بعضهــم مهــارات التواصــل ولكنــى أميــل
لوصفهــا كنــوع مــن الفنــون واآلن ســنتناول بعضهــا،
مثــل فــن الشــكر وفــن التســامح وفــن االعتــذار
وهــذه بعــض أنــواع الفنــون التــي لــم تأخــذ حقهــا
مــن الشــهرة،لــذا ســأحاول تناولهــا بالتفصيــل.
ًأوال فن الشكر:
يعتبــر هــذا الفــن مــن اريق الفنــون،ألنــك تــدرك
أنــك حصلــت علــى شــيئا يســتحق الشــكر،وهــو فــي
العمــق إدراك لنعمــة أصابتــك مهمــا كانــت بســيطه
وتقديــم الشــكر لمــن أهــداك شــيئا حتــى وإن كان
بســيطا أو كانــت هديتــه بعــض الكلمــات يتــرك أثــرا
كبيــرا ال ينســي،تقديــم الشــكر يســري فــي القلــب
مخلفــا شــعورا بالبهجــة والمــودة والتقديــر ليعــود
اليــك مــرة أخــرى محمــا بفيــض مــن العطايــا
مــن اهلل عــز وجــل،أحيانــا تكــون لدينــا رغبــة
كبيــرة بشــكر أحدهــم ولكــن يمنعنــا الخجــل،هــل
ســأتحدث لغربــاء؟ هــل ســيقبل منــى ذلــك؟ واالن
اقــول لــك نعــم،قــدم الشــكر لعامــل المصعــد الــذي
ال تعرفــه ولبائــع الجرائــد وســائس الجــراج،قــدم
الشــكر لــكل شــخص منحــك شــيئا حتــى وإن كنــت
تــراه بســيطا،حتــى..وان كان يعتبــره األخــر تأديــة
لعملــه..اشــكره عليــه،تبــادل الشــكر ســيجعل
حياتــك غنيــة باالمتنــان والتقديــر وال تنســي شــكر
الخالــق علــى مــا يمنحــه لــك باســتمرار .فــن الشــكر
هــو مــن الفنــون الواجــب التدريــب عليهــا حتــى ال
يتحــول المــرء إلــى كتلــة مــن اإلســاءة تســير علــى
قدميــن.ثانــي الفنــون هــو التســامح:
التســامح مــن اروع الفنــون واهمهــا علــى االطــاق،
ومــع ذلــك ال يتقنــه إال القليــل،ينشــغل الجميــع
بمــدى اإليــذاء النفســي الــذي حــدث لــه وكــم
كان األخــر مخطئــا بحقــه،مؤججــا بذلــك الشــعور
المشــتعل بداخلــه،متناســيا أنــه يحــرس بداخلــه
نــارا تركهــا صاحبهــا وغــادر منــذ زمــن،يجــب أن
تعلــم عزيــزي القــارئ أنــه إذا قــام أحــد اللصــوص
بمحاولــة لســرقة بيتــك فانــك مــن ســيقوم بإصــاح
هــذا المنــزل،إمــا انتظــارك للــص إلصــاح مــا أتلفــه
فهــذا أمــر غيــر مجــد بــأي حــال مــن األحــوال،
كذلــك أي فعــل ســيئ أو مــؤذ لــن يقــوم صاحبــه
بإصالحــه هــذا واجبــك انــت،أن تصلــح مــا أفســده
أحدهــم بداخلــك وتتعلــم الــدرس مــن ذلــك،عندمــا
أتحــدث عــن فــن التســامح فأنــا اقصــد ذلــك النــوع
مــن القــوة التــي تجعلــك تفــوض كامل أمــرك هلل،وال
تشــغل بالــك بمصيــر المخطــئ بحقــك،وال تتنــازل
عــن حقوقــك المعلقــة،ســامح واحصــل علــى حقــك
وهــذا هــو فــن التســامح كمــا يجــب أن يكــون.ثالثــا
فــن اإلعتــذار يهمــل العديــد هــذا الجانــب متعلــا
بــأن األمــر لــم يكــن يســتحق،ولكــن اعتــذارك
ألحدهــم ال يعنــى بالضــرورة بأنــك المخطــئ
وأنــه علــى صــواب،بــل يعنــى انــك تحــرص علــى
االحتفــاظ بهــذا الشــخص فــي حياتــك وانــك مــا
زلـ ِ
ـت متمســكا بوجــوده،لــذا فــإن اتقــان هــذا النــوع
مــن الفنــون يعتبــر بمثابــة هديــة تقدمهــا لألخــر
فــي اللحظــات التــي ربمــا أوشــك بهــا الرصيــد علــى
النفــاذ،امــا أن كنــت مخطئــا حقــا يــا صديقــي،
فــا تكابــر وبــادر بتقديــم اعتــذارك مســرعا،فهــذا
لــن ينقــص مــن قــدرك ابــدا بــل يرفعــه فــي عيــن
مــن أخطــأت بحقــه،فــإن كســب القلــوب أوىل مــن
كســب المعــارك،وألنــه يبــدأ عنــده وينتهــي كل
شــيء فــإذا أتقنــت فــن االعتــذار بالشــكل والوقــت
المناســب أتقــن اآلخــر فــن التســامح،أدى ذلــك
الســتمرار فنــون الشــكر.
تحتــاج هــذه الفنــون للممارســة والتدريــب عليهــا
مثلهــا مثــل باقــي الفنــون الشــهيرة،لذلــك اقبلــوا
منــى أن أتقــدم بــكل الشــكر إليكــم مــن قلبــي.
قلبًا طيبًا ووردة
كنــت أطــن حينمــا كنــت طفلــة أنــه مــن الســهل
علــى أي إنســان أن يتمتــع بالطيبــة وحســن المعاملــة
وان الطبــاع الشــخصية شــيء يؤثــر علــى الشــخص
نفســه وال يتأثــر بهــا مــن حولــه،كنــت اقيــس كل
شــيء علــى مقيــاس التحصيــل الدراســي،فالمجتهــد
هــو مــن يذاكــر كثيــرا فيتفــوق ليصبــح طبيبــا أو
مهندســا ليفيــد المجتمــع،وبذلــك هــو شــخص طيب،
امــا الشــخص الكســول أو البطــيء فــي التحصيــل
والتعلــم فهــو ليــس لــه نفــع،وبذلــك هــو شــخص
ليــس طيــب،وقــد ال يكــون شــرير وقــد يختلــط
بالســيئين فيصبــح مثلهــم،وعليــه فــأن النظــرة التــي
كبــرت بهــا للكــون كانــت ضيقــة وظالمــه للغايــة،
وانتظرتنــي الحيــاة خــارج بــاب الجامعــة حتــى إذا
أنهيــت تحصيلــي الجامعــي وتخرجــت،فتحــت لــي
أبــواب التعليــم الحقيقــي علــى مصراعيهــا،وحقــا
كان هنــاك الكثيــر والكثيــر ألتعلمــه.
أول درس قدمتــه لــي الحيــاة كان عــن معنــى الطيبــة
وعــدم الطيبــة،وأنها ال تقــاس أبدا بالمســتوى العلمي
ألي شــخص وال بالمســتوى االجتماعــي حتــى،وان
مــا نســميهم طيبيــن ال يقفــوا فــي الصفــوف األماميــة
وال علــى اليميــن والباقــي علــى اليســار،أوىل دروس
الحيــاة لــي كانــت فــي عــدم التصنيــف والتالــي كان
فــي عــدم التعميــم .كلنــا فينــا الطيــب الجيــد وفينــا
غيــر ذلــك ولكنــا مختلطيــن متشــابكين فــي نســيج
واحــد.علمتنــي الحيــاة أيضــا أن الطيبــة ليســت
شــيء ســهل،ألنــك كــي تكــون طيبــا ال تــؤذي أحدا
تحتــاج إلــى قــوة،نعــم قــوة نفســية كبيــرة تمنعــك
مــن اإليــذاء عنــد المقــدرة،وتســاعدك فقــط علــى
أخــذ حقــك بالطــرق المشــروعة،ويالهــا مــن معركــة
غيــر هينــه،حينمــا يتحــداك أحدهــم فمــا أن تبــادر
بالــرد حتــى تــراه ينهــزم فــا يكــون أمامــك إال أن
تملــك زمــام نفســك وترحــم هــذا الضعــف الــذي لــم
تكــن وضعتــه فــي المعادلــة،علمتنــى الحيــاة أن
قلبــا طيبــا 💗 وورده 🌹 همــا العــاج والــدواء الشــافي
ألي مــرض نفســي أو غضــوي،ومــا زلــت أتعلــم
حتــى اليــوم وحتــى آخــر يــوم فــي هــذه الحيــاة
ألهديكم قلبا صادقا ووردة 🌹
على شجرة العنب أن تغادر
اجتمــع الحلفــاء ذات صبــاح فــي الحديقــة الواســعة
يناقشــون أمــر حديقتهــم كمــا يزعمــون منــذ عــدة
أعــوام حينمــا ســيطرت بعض شــجرات اليقطيــن على
الحديقــة،فهــي لــم تكــن يومــا حديقتهــم،كانــت
حديقــة غنــاء تحــوى العنــب والمــوز وشــجيرات
البرتقــال،فــي بدايــة موســمها،إال أنهــم ذات يــوم
قــد قبلــوا باســتضافة شــجرة يقطيــن واحــدة ال مــأوى
لهــا ومنقولــة مــن أرضهــا ومهــددة بالفنــاء،كانــت
شــجرة المــوز أول مــن عرضــت عليهــا القــدوم بعــد
موافقــة باقــي الشــجيرات بالحديقــة.
وقــد اتفقــن جميعــا علــى اســتقبال شــجرة اليقطيــن،
إال أن األمــور تغيــرت فــي الســنوات األخيــرة لتصبــح
اليقطينــة الواحــدة اثنتــان وثــاث،ولــم تكــن
المشــكلة فــي تكاثــر اليقطيــن الســريع ولكــن
فــي قراراتهــا التــي تتخذهــا معاديــة لباقــي األشــجار
كانــت تتصــدى لهــا شــجرة العنــب بحكمتهــا
الشــهيرة وتدعوهــا دومــا لفــض النــزاع والعــودة الــى
الحيــاة الهادئــة،لتظــل حديقتهــم واســعة غنــاء
ترحــب بالجميــع،ولكــن!
نفــوذ وســلطه شــجر اليقطيــن الــذي أصبــح يــزداد
بزيــادة إعدادهــا ورغبتهــا الشــديدة بالتحكــم فــي
الحديقــة أدى إلــى ظهــور ذلــك القــرار،وهــو رحيــل
شــجرة العنــب مــن هــذه الحديقــة،وجــدت نفســها
فــي هــذه اللحظــة عليهــا أن تغــادر.
ثــارت أشــجار البرتقــال والمــوز مــن أجــل شــجرة
العنــب ولكــن شــجرة العنــب أبــت أن تجعــل
الصــراع يــدب فــي الحديقــة وأعلنــت موافقتهــا
علــى المغــادرة.
لــم تهــدأ الحديقــة مــع هــذا القــرار وهــذا مــا دعــى
شــجر اليقطيــن لعقــد هــذا االجتمــاع الطــارئ فقــد
قــررت كل شــجرات العنــب والمــوز والبرتقــال أن
تغــادر مــع شــجرتهم الصديقــة ممــا جعــل اليقطيــن
يقــف وحيــدا فــي الحديقــة الخاليــة.
إلى صديقة
صديقتــي،بعــد خروجــك مــن العاصفــة،ممزقــة
المشــاعر منتفخــة العيــون،شــاحبة الوجــه مــن األرق
الــذي الزمــك طويــا،بعــد مــرورك بذلــك كلــه ً
بمفــردك وخروجــك منــه بمفــردك أيضــا،تكتشــفين
أن الجلــوس مــع نفســك والحديــث إليهــا لــم يكــن
مرعبــا بالقــدر الــذي تخيلتيــه،بالعكــس كان مفيــدا
لحــد كبيــر،للحــد الــذي جعلــك تقفيــن علــى
قدميــك مجــددا،لــن تحتــاج بعــد هــذه التجربــة إلى
أشــخاص مــن حولــك لمســاعدتك علــى الخــروج
مــن العاصفــة،علــى األقــل العاصفــة التاليــة أو قــد
تحتاجيــن أشــخاصا مــن نــوع آخــر.النــوع الداعــم
كاألصدقــاء الحقيقيــن،الذىــن هزمــوا العاصفــة
بداخلــك وانتصــرت بهــم علــى جــرح الكبريــاء،أمــا
أولئــك مدعــون الفــرح المتقربــون لــك ويريدونــك
دومــا فــي أزهــى أحوالــك هاربيــن منــك اذا مــررت
ببــؤس أو ألــم فاجعليهــم مــكان مــا أرادو ســتجدينهم
متواجديــن فــي بهجتــك دون دعوة منك،ســتجدينهم
وتعرفينهــم دون جهــد يذكــر،دعيهــم لمــا اختــاروا
ودعيــك ممــا قامــوا بــه وال تعــط ألحدهــم فرصــة
إلطفــاء -ولــو -شــمعة واحــدة بداخلــك.
العودة
وىف لحظــة مــا تكــون أقــرب إلــى هــذا العالــم البعيد
مــن قربــك إلــى مــا ظننــت لعمــر كامــل انــك تنتمــي
إ ليه .
أدركــت معنــى أن يفصلــك بيــن هــذا وذاك خطــوة
واحــدة،أدركــت وشــعرت كيــف يختــار النــاس
الذهــاب إلــى هنــاك بــكل أريحيــة وبســاطه وقــد
كنــت منهــم واختــرت أن اعبــر هــذه الخطــوة الباقيــة
ولكــن!
منعني قرار أحدهم لي بالبقاء.
نعــم فــي تلــك اللحظــة يتغيــر القــدر وتعــود قبــل أن
يأخــذك المــدى كليــا بقــرار صــادق مــن احدهــم.
وال أعلــم إلــى اآلن كيــف حــدث ذلــك ولكــن
ابنتــي اســتطاعت أن توقفنــي عــن الذهــاب وهــى
ذات األربعــة عشــر ربيعــا.واآلن بعــد العــودة.
أشــعر أن الحيــاة منحتنــي يومــا أخــر جديــدا وان اهلل
وهبنــي أنفاســي مــن جديــد.
فأدركــت أن وجــودك علــى قيــد الحيــاة ليــس باألمــر
الهيــن وال التافــه بــل إنهــا منظومــة ضخمــة يقــوم
بهــا الجســم حتــى يحافــظ علــى بقائــك فــي هــذا
العالــم يومــا بعــد يــوم ولقــد حالفنــي الحــظ وعــدت
ألكتــب عــن تلــك األمســية التــي كنــت اقضيهــا
بيــن مكانيــن قريبيــن لــم أكــن أعلــم إلــى األمــس
أنهمــا بهــذا التقــارب.